للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

منهم كل شدة ولحقهم من ورائهم العناء الكبير. ذلك أن طبيعة العامة تنجذب إلى كل غريب من القول، لا سيما القصص فأقبلوا على هؤلاء القصاص، الذين أخذوا يضعون الأقاويل -ويروونها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو منها بريء، ونحن نذكر لك بعض الحوادث، التي تدل على مبلغ إفسادهم للحديث، ومقدار تعلق العامة بهم حتى إنهم كانوا يفضلونهم على الأئمة من العلماء.

١- روى ابن الجوزي في كتابه "القصاص والمذكرين"، عن أبي الوليد الطيالسي أنه قال: كنت مع شعبة، فدنا منه شاب فسأله عن حديث: فقال له: أقاص أنت؟ قال: نعم. قال: اذهب فإنا لا نحدث القصاص.

فقلت له: لم يا أبا بسطام؟ قال: يأخذون الحديث منا شبرا، فيجعلونه ذراعا".

فهذه شهادة من شعبة، وهو من أعيان المحدثين في هذا العصر، تلقي ضوءا على أعمال القصاص الإفسادية للأحاديث، كما أنها ترينا مبلغ تنبه العلماء لأفاعيلهم، ما يتزيدونه في الحديث من أباطيلهم.

٢- وأخرج ابن الجوزي بسنده إلى حجر بن عبد الجبار الحضرمي أنه قال: كان في المسجد قاص يقال له: زرعة. فأرادت أم أبي حنيفة أن تستفتي في شيء فأفتاها أبو حنيفة، فلم تقبل وقالت: لا أقبل إلا ما يقول زرعة القاص، فجاء بها أبو حنيفة إلى زرعة فقال: هذه أمي تستفيك في كذا وكذا فقال: أنت أعلم مني وأفقه فافتها أنت قال أبو حنيفة: قد أفتيتها بكذا وكذا فقال زرعة: القول كما أبو حنيفة فرضيت وانصرفت١".

فهذه القصة ترينا كيف كان القصاص يسيطرون على عقول العامة.


١ انظر تحذير الخواص من أكاذيب القصاص ص٨٠-٨١.

<<  <   >  >>