أبو حنيفة الذي بلغ في الفقه والعلم، والذكاء، والفهم مبلغا عظيما وطار صيته في الآفاق لا تقنع أمه بفتواه، حتى تطلب فتوى زرعة القاص.
هذا ولم تكن هذه الفرق الثلاث تعمل وحدها في وضع الأحاديث بل كان وراءهم كثير من الفرق مجسمة، ومرجئة وغيرهم يختلقون الحديث، لترويج بدعهم كما كان وراءهم كثير من جهلة المتصوفة، يستبيحون وضع الأحاديث الأحاديث في الترغيب والترهيب، يرتجون من ورائها خيرهم وخير الناس، إلا غير هؤلاء ممن أضلهم الله. اتحدوا جميعا على وضع الأحاديث واختلاق الأسانيد. لكن الله تعالى لم يترك حديث نبيه صلى الله عليه وسلم تلعب به الأهواء، ويتزيد فيه الكذابون كما يشاءون. بل قيض في كل زمان من ينافح عنه، ويكافح دونه. {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} .
مناهضة العلماء للوضاعين:
هيأ الله تعالى للدفاع عن الأحاديث في هذا العصر طائفة من فطاحل النقاد، وكبار الحفاظ انتدبوا أنفسهم لتخليص الحق من الباطل، وتقربوا إلى الله بالكشف عن أحوال هؤلاء الكذابين على رسوله صلى الله عليه وسلم المتزايدين في حديثه. وأنزلوا الرواة منازلهم، وبينوا للناس درجاتهم ولقبوهم بما يستحقونه من المحاسن، أو المثالب لا تأخذهم بأحد رحمة في دين الله فتراهم يقولون فلان ثقة. فلا حجة. فلان كذاب. فلان لين الحديث. فلان لا بأس به. فلا ضعيف. إلى غير ذلك من ألقاب الرعفة، أو سمات الضعة والسقوط.
نشط علماء الحديث في هذا العصر -الذي يعرف عند المؤرخين بعصر التدوين- نشاطا عظيما في تدوين الحديث، حتى لم يبق أحد منهم.