للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أن تأخذهم فيه لومة لائم، وما ذكره المستشرقون هنا من الشواهد، لا دلالة فيه والتاريخ يحدثنا أن ما أحدثه بعض الخلفاء، من اتخاذ المقوصرة في المسجد أو تقديم الخطبة على صلاة العيد، أو الجلوس في خطبة الجمعة الثانية إلى غير ذلك لم يكن منهم بناء على أحاديث وضعوها، أو وضعت لهم، وإنما كان عن اجتهاد، أو عذر قضى بذلك سواء أكانوا في ذلك مصيبين، أم مخطئين فعن الشعبي١ أنه قال: "أول من خطب الناس قاعدا معاوية، وذلك حين كثر شحمه، وعظم بطنه"، أخرجه ابن أبي شيبة، وذكر ابن خلدون في مقدمته٢ أن أول من اتخذ المقصورة في المسجد معاوية بن أبي سفيان، حين طعنه أحد الخوارج طعنة كادت تقضي عليه. وعن طارق٣ بن شهاب، قال: أول من بدأ بالخطبة يوم العيد قبل الصلاة مروان، فقام إليه رجل فقال: الصلاة قبل الخطبة قد ترك ما هنالك، فقال أبوسعيد: أما هذا فقد قضى ما عليه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان"، رواه الإمام مسلم في الصحيح، ومن ذلك ترى أن معاوية رضي الله عنه خطب جالسا، واتخذ المقصورة في المسجد لعذر قاهر لا لحديث رواها، أو رويت له وأن مروان بن الحكم معترف بأن السنة تقديم صلاة العيد على الخطبة، لكن أداه اجتهاده إلى تقديم الخطبة، لئلا ينصرف الناس عن سماعها بعد الصلاة، وكأنهم فعلوا معه ذلك بدليل قوله لمن أنكر عليه: "قد ترك ما هنالك"، ولم يستدل لما فعل بشيء من الأحاديث، إنما استدل بتغير أحوال الناس


١ تاريخ الخلفاء ص١٤٣.
٢ ص٢٩٩.
٣ صحيح مسلم في كتاب الإيمان.

<<  <   >  >>