عام "٢١٨"، فرأى المأمون أنه إن لم يضرب على أيدي خصومه، فسينكشف أمره ويظهر أمام رعيته بمظهر التخاذل، فاستعمل سلطانه في رد أهل الحديث إلى رأيه.
محنة القول بخلق القرآن:
لما أخفق سعى المأمون في القضاء على الخلاف من طريق سلمي، قوامه المناظرة لإحقاق الحق أراد أن يرغم المحدثين، والفقهاء على قبول رأيه بخلق القرآن لا سيما بعد أن طعنوا فيه بالابتداع، فاستنفدت هذه المسألة جانبا كبيرًا من تفكيره ووقته حتى في أيام غزواته وحروبه مع الروم. ففي عام "٢١٨" بينما كان المأمون يغزو بلاد الروم، كتب إلى عامله على بغداد إسحاق بن إبراهيم الخزاعي كتابا يقول فيه فيه "وقد عرف أمير المؤمنين أن الجمهور الأعظم والسواد الأكبر من حشو الرعية، وسفلة العامة ممن لا نظر لهم، ولا روية، ولا استضاءة بنور العلم وبرهانه.
أهل جهالة بالله وعمى عنه، وضلالة عن حقيقة دينه وقصور أن يقدروا الله حق قدره، ويعرفوه كنه معرفته، ويفرقوا بينه وبين خلقه. وذلك أنهم ساووا بين الله وبين خلقه، وبين ما أنزل من القرآن، فأطبقوا على أنه قديم لم يخلقه الله ويخترعه.
وقد قال الله تعالى:{إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} ، وكل ما جعله الله فقد خلقه كما قال تعالى:{وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} ، وقال:{نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ} ، فأخبر أنه قص لأمور أحدثه بعدها وقال:{أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَت} ، والله محكم كتابه ومفصله، فهو خالقه ومبتدعة، ثم انتسبوا إلى السنة وأنهم أهل الحق والجماعة، وأن من سواهم أهل الباطل والكفر، فاستطالوا بذلك وغروا به الجهال حتى مال قوم من أهل السمت الكاذب في التخشع لغير الله إلى موافقتهم فنزعوا الحق