إلى باطلهم واتخذوا دين الله وليجة إلى ضلالهم -ثم أخذ يصفهم بأنهم شر الأمة وإخوان إبليس- ثم قال لعامله فاجمع من بحضرتك من القضاة، فاقرأ عليهم كتابنا وامتحنهم فيما يقولون، واكشفهم عا يعتقدون في خلقه وأحداثه، وأعلمهم أني غير مستعين في عملي ولا أوثق من لا يوثق بدينه، فإذا أقروا بذلك ووافقوا فمرهم بنص من بحضرتهم من الشهود، ومسألتهم عن علمهم في القرآن وترك شهادة من لم يقر أنه مخلوق، واكتب إلينا بما يأتيك عن قضاة أهل عملك في مسألتهم والأمر لهم بمثل ذلك، ثم وردت من المأمون عدة كتب إلى عامله يأمره فيها بامتحان أهل الحديث في مسألة خلق القرآن، وفي بعضها يقول له:"فمن لم يجب أنه مخلوق فامنعه من الفتوى والرواية"، كما أمر عامله بقتل من لم يقل بخلق القرآن، ولم يكتف المأمون بذلك، بل أنفذ وصيته إلى أخيه المعتصم بالسير على طريقته في مسألة خلق القرآن، ومع أن المعتصم لم يكن على جانب عظيم في العلم، كما كان المأمون إلا أن رغبته في تنفيذ وصية أخيه، واستعداء المعتزلة له على أهل السنة جعله يشتد في المحنة، فكتب إلى البلاد بامتحان الناس في مسألة القرآن، وأمر المعلمين أن يعلموا الصبيان أن القرآن مخلوق، وقتل في ذلك خلقا من العلماء، وأهان كثيرا من أهل الحديث لا سيما الإمام أحمد بن حنبل، الذي أصر على امتناعه من القول بخلق القرآن، واستمرت المحنة إلى أن مات المعتصم سنة ٢٢٧، ولما تولى ابنه الواثق الخلافة أحيا الفتنة، وأقام سوق المحنة.
وفي سنة ٢٣١ أصدر أمره إلى أمير البصرة بامتحان الأئمة، والمؤذنين بخلق القرآن. وأظهر الغلظة لمن يقول بخلاف رأيه بل قتل في ذلك بعض أهل الحديث.