الرصافة، فاجتمع إليه نحو من ثلاثين ألف نفس، وجلس أخوه عثمان في جامع المنصور، فاجتمع إليه أيضا نحو من ثلاثين ألف نفس، وتوفر دعاء الخلق للمتوكل وبالغوا في الثناء عليه، وتعظيمه حتى قيل: الخلفاء ثلاثة، أبو بكر الصديق في قت أهل الردة، وعمر بن عبد العزيز في رد المظالم، والمتوكل في إحياء السنة، وإماتة التجهم١.
انتقاص أهل الكلام لأهل الحديث:
هذا، ولم يقف المعتزلة عند هذا الحد من إغراء الخلفاء بأهل الحديث، بل أطلقوا ألسنتهم بالسوء، وأخذوا يقبحون أهل الحديث، ويعيبون عليهم طريقتهم، ويحطون من قدرهم، ويرمونهم بالعي والفهاهة، وكل نقيصة.
انظر إلى ابن قتيبة أحد علماء القرن الثالث، كيف يصور لنا ما كانوا يرمون به أهل الحديث من شناعات. قال رحمه الله في مقدمة كتابه:
"تاويل مختلف الحديث"، الذي ألفه في الرد على أعداء الحديث:"أما بعد أسعدك الله تعالى بطاعته وحاطك بكلاءته ووفقك للحق برحمته، وجعلك من أهله فإنك كتبت إلي تعلمني ما وقفت عليه من ثلب أهل الكلام أهل الحديث، وامتهانهم وإسهابهم في الكتب بذمهم، ورميهم بحمل الكذب، ورواية المتناقض حتى وقع الخلاف، وكثرت النحل وتقطعت العصم، وتعادى المسلمون وأكفر بعضهم بعضا، وتعلق كل فريق منهم لمذهبه بجنس من الحديث. فالخوارج تحتج بروايتهم: "ضعوا سيوفكم على عواتقكم، ثم أبيدوا خضراءهم"، "ولا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم"، "ومن قتل دون ماله فهو شهيد"، والقاعد
١ انظر البداية والنهاية لابن كثير جـ١٠ ص٢٧٢، وما بعدها -تاريخ الخلفاء للسيوطي ص٢٠٤، وتاريخ الأمم الإسلامية للخضري ص٢٧٩.