وحفاظ عظام عرفوا الأحاديث، وميزوا بين المزيف منها والصحيح، ونقدوا الرواة ووقفوا على أحوالهم أمثال الإمام أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وعلي بن المديني، وإسحاق بن راهويه وغيرهم.
ألا إنه وجد قوم انتسبوا إلى أهل الحديث، كانوا وصمة عار في جبين الحديث والمحدثين منهم القصاص المخرفون، والمرتزقة الذين يتكسبون بالحديث، والجهلة بأحكام الشرع وأوليات الفقه. فالقصاص كانوا يبثون الغرائب والمناكير، التي تبعث على الإسلام المطاعن، والجهلة المتفيهقون كانوا كالحمار يحمل أسفارا "إذا سئل أحدهم عن حكم شرعي تخبط في جهله، وتعثر في غيه وقد يكون إماما في أتباعه، فيفتي بكل منكر في الشرع. وكان لهم أفهام في الحديث تضحك الثكلى، وتبعث في نفس المؤمن الحزن والأسى، فمن ذلك أن أحدهم كان يصلي الوتر بعد الاستنجاء من غير أحداث وضوء، ويستدل على هذا العمل بقوله صلى الله عليه وسلم: "من استجمر فليوتر"، والمقصود من الحديث إيتار الجمار عند الاستنقاء، لا صلاة الوتر بعد نقض الوضوء مباشرة من غير توضؤ، وسئل كبير منهم في مجلس تحديثه عن دجاجة، وقعت في بئر فقال للسائل: ألا غطيتها حتى لايقع فيها شيء، فأسرع بعض المتفقهة بالإجابة سترا لجهل الشيخ، وسئل أحدهم عن مسألة في الفرائض، فكتب في الفتوى.
تقسم على فرائض الله سبحانه وتعالى. وسئل أحدهم عن الحالف بصدقة إزاره فقال: بكم اشتريته فقال: باثنين وعشرين درهما، فقال: اذهب وصم اثنين وعشرين يوما. وفهم بعضهم من حديث، "نهي أن يسقي الرجل ماءه زرع غيره"، المنع من سقي بساتين الجيران مع أن المراد وطء الحبالى من السبايا١. إلى غير ذلك من سخافاتهم.