للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومحاربة الوضاعين من زنادقة وقاصين. أما المسائل التي كانوا على خلاف فيها، فإما أن يكون الجدال فيها بالتي هي أحسن من غير أن تراق الدماء، أو تستعمل وسائل الإرهاب، وأما أن يسلكوا فيها مسلك السلف الصالح، وهو الإمساك عنها وعدم الخوض فيها. هذا مالك إمام دار الهجرة يسأل عن قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} ، فيقول: الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة. وهذا أبو حنيفة ينهى أصحابه، ويحذرهم من التكلم في القرآن أمخلوق هو أم غير مخلوق. وهذا بطل المحنة الإمام أحمد بن حنبل، يمسك عن الخوض في مسألة خلق القرآن، وكل ذلك منهم كان محافظة على عقيدة العامة، واتباعا لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، والسلف الصالح من بعده. أما أنهم لو سلكوا أحد الطريقين لكان خيرا وأولى، ولكن قدر فكان.

من هذا البيان ترى أن المتكلمين والمحدثين، كانوا في هذا العصر بل وقبل هذا العصر على طرفي نقيض. لقد حط من شأن المحدثين في نظر المتكلمين، وجود أدعياء الرواية وجهلة الشيوخ، وكذبة القصاص بينهم فرموهم بالجهل، وبكل نقيصة، ووضع من شأن المعتزلة في نظر أهل الحديث اعتناقهم لآراء الفلاسفة وخروجهم عن النصوص، وردهم للأحاديث الصحيحة، وطعنهم في الصحابة حيث فسقوهم وبدعوهم، ولم يقبلوا الحديث من طريقهم. فلما جاء المأمون وكان متضلعا من العلوم العقلية، والنقلية رأى أن يقضي على الخلاف بين الفريقين ويوحد كلمة الأمة في العقائد، ويوجه جهودها إلى محاربة الخارجين عن الشرع الشريف من أهل الزيغ والضلال، فعقد مجالس المناظرة لذلك، فكان من ورائها

<<  <   >  >>