اتساع هوة الخلاف ورميه بالكفر والضلال، فرأى أن يأخذ أهل الحديث بالشدة لما وقر في صدره أن القرآن المكتوب في المصاحب، لا ينبغي أن يرتاب في حدوثه، ولكنا نأخذ عليه أنه اشتط كثيرا في مسلكه بإراقة الدماء البريئة واستعمال وسائل الإرهاب والعنف. ولقد كان يكفيه -إذا فاته ما كان يقصد من القضاء على الخلاف- أن يحظر الرواية، والفتوى على القصاص، والزنادقة والجهلة من أدعياء الحديث، ويأذن بذلك لأئمة الحديث والفقه، ثم يترك العلماء بعد ذلك أحرارا فيما يذهبون، وأن يسعه ما وسع سلف الأمة الصالح من الإمساك عن الغوص في مثل هذه الأمور، التي لا يترتب عليها فائدة عملية للمسلمين.
وكذلك نأخذ على المعتزلة أنهم لم يكونوا على شيء من النبل في الخصومة، فإنهم أخذوا المحق بذنب المبطل، وسووا بين الأشراف والسفلة، والعلماء والجهلة، وسلوا سيف البغي على أئمة الدين، ورواة الحديث من غير أن تأخذهم في أحد رحمة.
لذلك قابلهم جمهور المسلمين بما يجب أن يقابلوا به بعد أن رفعت المحنة، وزالت الشدة، فلم تقم لهم قائمة من ذلك الوقت إلى اليوم.
أما موقف المحدثين في هذه المحنة، فقد كان سليما ومحمودا ذلك أنهم أمسكوا عن الخوض في أمور ضررها أكبر من نفعها، فكانوا بذلك على طريقة السلف الصالح، أغلقوا بموقفهم من الخلفاء والمعتزلة أبوابا من الشر لا نهاية لها ولو أنهم استكانوا، وقالوا بخلق القرآن لكان ذلك ذريعة لاستدراجهم إلى عقائد المعتزلة شيئا فشيئا، وفي ذلك من الخطر ما فيه، فجزاهم الله عن الدين وأهله أحسن الجزاء.
هذا وقد يقول قائل: إن مسألة خلق القرآن من أوضح المسائل