فهذه الألفاظ التي نقرؤها بألسنتنا كل يوم في الصلاة وغيرها، ونكتبها بأقلامنا في المصاحب وغيرها، لا يشك أحد في أنها مخلوقة. فكيف يقف المحدثون هذا الموقف الذي جر عليهم كل هذه النكبات، وهل يدخل في عقل إنسان أن هذه الألفاظ القرآنية قديمة وليست بمخلوقة. ونقول: إنه لم يخف على كبار أئمة الحديث أمثال الإمام أحمد بن حنبل حقيقة الحال، ولكنهم آثروا الإمساك عن النطق بذلك محافظة على عقيدة العامة، فالقرآن كلام الله، وكلام الله صفة من صفاته قديمة، والعامي لا يميز بين كلام الله الذي هو الصفة القديمة، وبين كلام الله المنزل الذي هو ألفاظ مكتوبة مقروءة، وحادثة مخلوقة فإذا قيل: إن القرآن مخلوق، وهو كلام الله التبس الأمر على العامة بين الحادث، والقديم لذلك لما طلب إلى الإمام أحمد أن يقول بخلق القرآن تقية. قال:"إذا أجاب العالم تقية والجاهل يجهل فمتى يتبين الحق"، وهذا أبو يعقوب البويطي يعرض عليه والي مصر أن يقول فيما بينه وبينه أن القرآن مخلوق، ويطلقه فيقول:"إنه يقتدي بي مائة ألف ولا يدرون المعنى"، ويفضل أن يؤتى به إلى بغداد ويموت في السجن.
من هنا نأخذ أن موقف المحدثين كان موقفا سليما، فقد أحاطوا عقيدة العامة حتى لا تزل بهم الأهواء، وحافظوا على قدسية القرآن في نفوسهم، وهم في ذلك سالكون منهج السلف الصالح، الذين وسعهم السكوت عن الخوض في مثل هذه المسائل، بل نهوا الناس عن الدخول فيما لا يعنيهم، والتكلم بما يعلو على أفهامهم.
النتائج التي عادت على الحديث، وأهله من وراء هذا النزاع:
كان لهذا النزاع الشديد، وذلك الصراع العنيف أثره البالغ في الحديث والمحدثين، وإليك بعض هذه الآثار: