للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القصص في القرن الثالث وأثره في الحديث:

كما انتشرت الزندقة في هذا العصر، كذلك ذاع القصص، وكثر المحترفون له ولا ننسى أن بين هؤلاء القصص فريقا من الزنادقة أيضا، "كما أشرنا إليه آنفا" ومنهم المرتزقة، ومدعو العلم والإمامة في الحديث، ولقد انتشر القصاص، والزنادقة في هذا العهد حتى أن الخلفاء، كانوا يصدرون أوامرهم بمنع القصاص، والمنجمين من الجلوس في المساجد والطرقات. كذلك منعوا من بيع كتب الفلسفة ففي سنة ٢٧٩هـ، وهي السنة التي بويع فيها المعتضد الخليفة العباسي بالخلافة أصدره أمره بمنع الوراقين من بيع كتب الفلاسفة، وما شاكلها ومنع القصاص، والمنجمين من القعود في الطريق١.

هذا وإن أصدق مرآة تتراءى لنا فيها أعمال القصاص في هذا القرن، ما ذكره العلامة الإمام عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري، المتوفى سنة ٢٧٦هـ في كتابه "تأويل مختلف الحديث"٢. قال رحمه الله:

الحديث يدخله الشوب والفساد من وجوه ثلاثة "منها الزنادقة"، واجتيالهم للإسلام، وتهجينه بدس الأحاديث المستشنعة والمستحيلة، كالأحاديث التي قدمنا ذكرها من عرق الخيل، وعيادة الملائكة، وقفص الذهب على جمل أورق وزغب الصدر، ونور الذراعين مع أشياء كثيرة، ليست تخفى على أهل الحديث، ومنهم ابن أبي العوجاء الزنديق، وصالح بن عبد القدوس الدهري "والوجه الثاني القصاص"، على قديم الأيام فإنهم كانوا يميلون وجوه العوام إليهم، ويستدرون ما عندهم بالمناكير والغريب والأكاذيب


١ انظر تاريخ الخلفاء للسيوطي ص٢٤٦.
٢ ص٣٥٥، وما بعدها.

<<  <   >  >>