هذا والنسخ من قبيل البيان؛ لأنه بيان انتهاء أمد الحكم، ولذلك يطلق عليه بعض علماء الأصول "بيان التبديل".
هل السنة النبوية تستقبل بالتشريع؟؟
وقد يقول قائل: أن الوجه الثالث، الذي ذكرته يفيد أن السنة قد يثبت بها أحكام لم ترد في القرآن إجمالا، ولا تفصيلا، وهو يخالف ظاهر قوله تعالى:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} ، فإنه يفيد أن السنة إنما تبين القرآن، ولا تتعداه إلى غيره، ولنا عن ذلك جوابان:
الجواب الأول:
أنا لا نسلم خلو القرآن عن الأحكام المذكورة في الوجه الثالث من أوجه البيان، ولكنه اشتمل عليا بطريق الأجمال، فصح أن تكون السنة بيانا للقرآن بهذا الاعتبار. وتوضيح ذلك أن الأحكام التي جاءت بها السنة، وسكت عنها القرآن ظاهرا، يمكن أن تكون بيانا له إما بطريق الإلحاق، وإما بطريق القياس وإما بطريق استنباط القواعد العامة من الجزئيات، وإليك توضيح ذلك:
البيان بطريق الإلحاق:
قد ينص القرآن على حل شيء، وحرمة آخر، ويكون هناك شيء ثالث لم ينص على حكمه، وهو آخذ من كل منهما بطرف، فيكون ثم مجال للاجتهاد في إلحاقه بأحدهما، فيعطيه النبي صلى الله عليه وسلم حكم أحدهما، وحينئذ يتبين أنه كان من مشمولاته. ومن الأمثلة على ذلك:
١- أحل الله الطيبات وحرم الخبائث، وبقي بين هذين الأصلين أشياء يمكن إلحاقها بأحدهما، فبين عليه الصلاة والسلام في ذلك ما اتضح به الأمر، فنهى عن أكل كل ذي ناب من السباع، وكل ذي مخلب من الطير، ونهى عن أكل لحوم الحمر الأهلية، وقال أنها رجس. ونهى عليه الصلاة والسلام عن أكل الجلالة وألبانها ذلك لما في لحمها ولبنها من أثر