كان محزنًا تأكلهم الديدان ويملؤهم الغبار، وهذا بخلاف ما اعتقده المصريون من أن الأبرار كانوا ينعمون بصحبة الآلهة ويعيشون في حقول "يارو" أما سواهم فإنهم يلقون جزاءهم من العذاب "انظر أعلاه ص: ٨٥، ٨٦".
وقد أدى التفكير في نشأة الوجود إلى ظهور أساطير مختلفة وصلت إلينا منها بعض النماذج، وتعد الأسطورة البابلية أقدم نموذج وصل إلينا كأسطورة طويلة، وهى مدونة على سبعة ألواح طينية تعرف لدى علماء الأشوريات باسم ألواح الخليقة السبعة، وهي تحتوى على نحو ألف بيت تقريبًا وتشير إلى أنه لم يكن في البدء سوى الماء العذب الإله "أبسو" والماء الملح "الإلهة تيامة" وكانا مختلطين ثم ولدت منهما الآلهة الأخرى متعاقبين، وفى ذلك ما يشير إلى أن المادة "المياه" أزلية، وهي في نفس الوقت الإلهين اللذين جاءت منهما الآلهة ومن أعقابهما أعظم الآلهة لدى البابليين وهو مردوخ، وقد أشرنا إلى ما تضمنته هذه الأسطورة عند الكلام على ما تخيله القوم عن نشأة الآلهة "انظر أعلاه ص٢١٦".
ويرى بعض المؤرخين أن هناك تشابه واضح بين هذه الأسطورة وبين ما جاء في سفر التكوين من أنه في البداية لم يكن سوى هيولي مظلم من الماء؛ ولكن الأسطورة تختلف عن الكتب السماوية عمومًا في أنها جعلت المادة أزلية سبقت أي شيء آخر، ومع كل فإن الأسطورة تعكس صورة لما يدور في بيئة بلاد النهرين من صراع بين عناصر الطبيعة وبين الإنسان وبيئته.