للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهو: "بع الجَمْع -أي: الجيد (١) - بالدراهم، ثم اشترِ بها جنيبًا" (٢) وهو الرديء (٣)، وإنما أمرهم بذلك؛ لأنهم كانوا يبيعون الصاعين من هذا بالصاع من ذلك، فعلَّمهم صلى اللَّه عليه وسلم الحيلة المانعة من الربا.

ومن ثَمَّ أخذ السبكي منه عدم كراهة هذه الحيلة، فضلًا عن حرمتها؛ لأن القصد هنا بالذات تحصيل أحد النوعين دون الزيادة، فإن قصدها. . كرهت الحيلة الموصلة إليها، ولم يحرم؛ لأنه توصُّل بغير طريقٍ محرمٍ، فعلم أن كل ما قصد التوصل إليه من حيث ذاتُهُ لا من حيث كونُهُ حرامًا. . جاز بلا كراهة، وإلَّا. . كره، إلا أن يحرم طريقه فيحرم؛ كتعدي اليهود في السبت، فإن القصد منعهم من الاستيلاء على الصيد فيه، ودخولُه في حفرهم التي هيؤوها له قبل يوم السبت استيلاءٌ منهم عليه فيه، فلم تفدهم الحيلة شيئًا.

وقول ابن حزم: (كلُّ عقدٍ حيلةٌ إلى محرم) ليس في محلِّه؛ لأن الوطء المتوصل إليه بالنكاح ليس محرمًا، إنما المحرم الزنا، فالأعم إذا شَمَل صورةً مباحةً وصورةً محرمةً. . لا يوصف بالتحريم، ولا التوصلُ إليه بالطريق الشرعي تحيُّلٌ على التحريم (٤).

ثم لمّا كان في تينك الجملتين نوع إجمال. . ذكر صلى اللَّه عليه وسلم عقبهما مفرعًا عليهما تفصيل بعض ما تضمنتاه زيادةً للإيضاح، ونصًا على صورة السبب الباعث على هذا الحديث، وهي على ما روي -وإن قال بعض المحدثين: لم نر له


= سد الذرائع وإبطال الحيل من أقوى الأدلة، ونص الشافعي على كراهة تعاطي الحيل في تفويت الحقوق، فقال بعض أصحابنا: هي كراهة تنزيه، وقال بعضٌ من محقيقيهم كالغزالي: هي كراهة تحريم، فمن نوى بعقد البيع الربا. . وقع في الربا، ومن نوى بعقد النكاح التحلل. . كان محللًا ودخل في الوعيد على ذلك. اهـ هامش (غ)
(١) قوله: (الجمع أي الجيد) صوابه: الرديء، أو سقط منه لفظ: (غير) أو هو كل نوع من التمر لا يعرف له اسم، وقيل: هو المختلط من أنواع شتى، وعادتهم ألا يخلط كذلك إلا الرديء. اهـ "مدابغي"
(٢) أخرجه البخاري (٢٢٠٢)، ومسلم (١٥٩٣/ ٩٥) عن سيدنا أبي هريرة وسيدنا أبي سعيد رضي اللَّه عنهما.
(٣) قوله: (جنيبًا وهو الرديء) صوابه: وهو الجيد، قال في "شرح المشكاة": وهو نوع جيد معروف، أو أجود التمر، وحينئذٍ تعلم ما في قوله: (يبيعون الصاعين من هذا. . . إلخ) وأنه لا يأتي إلا على ما علمت أنه خلاف الصواب، تأمل اهـ "مدابغي"
(٤) انظر تفصيل الإمام السبكي رحمه اللَّه تعالى في "الفتاوى" (١/ ٣٢٨ - ٣٢٩) في باب الحجر، مسألة التجارة في مال اليتيم.

<<  <   >  >>