للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سندًا صحيحًا-: أن رجلًا من مكة كان يهوى امرأةً تُسمى أم قيس (١)، فخطبها فامتنعت حتى تهاجر، فلما هاجرت إلى المدينة. . هاجر لأجلها (٢)، فعرَّض به تنفيرًا عن مثل قصده فقال: (فمن كانت هجرته) وهي -أعني الهجرة- لغةً: الترك، وشرعًا: مفارقة دار الكفر إلى دار الإسلام خوف الفتنة، ووجوبها باقٍ.

وخبر: "لا هجرة بعد الفتح" (٣) المراد به: لا هجرة بعد فتح مكة منها؛ لأنها صارت دار الإسلام (٤).

وحقيقةً: مفارقة ما يكرهه اللَّه تعالى إلى غيره؛ للحديث الآتي: "والمهاجر من هجر ما نهى اللَّه عنه" (٥).

وكانت أول الإسلام إما من مكة إلى الحبشة، أو منها ومن غيرها إلى المدينة، والمراد بها هنا: الانتقال من الوطن إلى غيره، سواء مكة وغيرها، وصورة السبب لا تخصص، لكنها داخلةٌ قطعًا.

(إلى اللَّه ورسوله) قصدًا ونيةً (فهجرته إلى اللَّه ورسوله) ثوابًا وأجرًا، فليس الشرط هنا عين الجزاء؛ لأنهما -وإن اتحدا لفظًا- اختلفا معنًى، وهو كافٍ في اشتراط تغاير الجزاء والشرط، والمبتدأ والخبر.


(١) قال القسطلاني رحمه اللَّه تعالى (١/ ٥٥): (لم يسمه أحدٌ ممن صنف في الصحابة فيما علمته). انتهى، قال مشايخنا: وما قيل: إن اسمه حاطب،. لم يثبت. اهـ "مدابغي"
(٢) أخرجه الطبراني في "الكبير" (٩/ ١٠٣)، وقال الحافظ ابن حجر رحمه اللَّه تعالى في "الفتح" (١/ ١٠): (وقصة مهاجر أم قيس رواها سعيد بن منصور) ثم ذكر رواية الطبراني وقال: (وهذا إسنادٌ صحيحٌ على شرط الشيخين، لكن ليس فيه أن حديث: "الأعمال. . . " سيق بسب ذلك، ولم أرَ في شيءٍ من الطرق ما يقتضي التصريح بذلك).
(٣) أخرجه البخاري (٢٧٨٣)، ومسلم في الإمارة (١٣٥٣) عن سيدنا ابن عباس رضي اللَّه عنهما.
(٤) قال العلماء: المسلم بدار الحرب أو دار الإسلام التي استولى عليها الكفار إذا لم يمكنه إظهار دينه، أو خافت فتنةً فيه. . وجبت الهجرة إن أطاقها، وعصى بإقامته ولو أنثى لم تجد محرمًا مع أمنها على نفسها، أو كان خوف الطريق أقل من خواف الإقامة، وقوله صلى اللَّه عليه وسلم: "لا هجرة بعد الفتح" أي: من مكة؛ لكونها دار الإسلام إلى يوم القيامة، فإن أمكنه إظهار دينه لشرفه أو شرف قومه وأمن فتنةً في دِينه، ولم يرج ظهور الإسلام بإقامته. . استُحبَّ له الهجرة إلى دار الإسلام، لئلا يكثر سوادهم به، كما في "شرحي المنهاج" لابن حجر (٩/ ٢٦٩)، والرملي (٨/ ٨٢)، وكما في "شرح الروض" لشيخ الإسلام (٤/ ٢٠٤).
(٥) أخرجه البخاري (١٠)، وأبو داوود (٢٤٨١)، والنسائي (٨/ ١٠٥) عن سيدنا عبد اللَّه بن عمرو رضي اللَّه عنهما.

<<  <   >  >>