للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المشي؛ إذ لا يسمى مستطيعًا حينئذ؛ لكثرة المشقة عليه، لكن يندب للقادر؛ خروجًا من خلاف مَنْ أوجبه عليه.

وإنما قيد بالاستطاعة في الحج مع أن ما مر مقيدٌ بها أيضًا؛ اتباعًا للنظم القرآني؛ فإنه لم يقيد بهذا اللفظ غيره، أو إشارةً إلى أن فيه من المشاقِّ ما ليس في غيره.

أقول: وأيضًا فعدمها في نحو الصلاة والصوم لا يسقط فرضهما بالكلية، وإنما يسقط وجوب أدائه، بخلافها في الحج؛ فإن عدمها يسقط وجوبه بالكلية.

(قال) أي: جبريل: (صدقت، قال) عمر: (فعجبنا له) أي: منه، أو لأجله (يسأله ويصدقه) إذ سؤاله يقتضي عدم علمه، وتصديقه يقتضي علمه، أو أن كلامه دالٌّ على خبرته بالمسؤول عنه، مع أنه لم يكن إذ ذاك مَنْ يعرف هذا غير رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فساغ التعجب منه، ثم زال بإعلامهم أنه جبريل؛ لأنه بان به أنه عالمٌ في صورة متعلمٍ ليعلمهم.

فإن قلت: تفسير الإسلام هنا بالأعمال ينافي ما يأتي مبسوطًا أنه الاستسلام والانقياد.

قلنا: لا شك أنه يطلق عليها شرعًا كما أنه يطلق على الاستسلام والانقياد لغةً وشرعًا، وما يأتي من أن بين الإسلام والإيمان تلازمًا أو ترادفًا. . إنما هو بناءً على معناه الثاني، وأما على معناه الأول -أعني أنه الأعمال الظاهرة-. . فالإيمان ينفك عنه؛ إذ قد يوجد التصديق مع الاستسلام الباطن بدون الأعمال، أما الإسلام بمعنى الأعمال المشروعة. . فلا يمكن أن ينفك عن الإيمان؛ لاشتراطه لصحتها، وهي لا تشترط لصحته، خلافًا للمعتزلة (١).

(قال: فأخبرني عن الإيمان) هو لغةً: مطلق التصديق، من (آمن) بوزن أفعل، لا فاعل، وإلَّا. . لجاء مصدره فعالًا، وهمزته للتعدية، كأن المصدِّق جعل


(١) قوله: (وهي لا تشترط لصحته خلافًا للمعتزلة) والحاصل: أن الإسلام بمعنى الأعمال الشرعية لا ينفرد عن الإيمان؛ لاشراط الإيمان لصحتها، بخلاف الإيمان فإنه ينفرد عنه بهذا المعنى، فبينهما عمومٌ وخصوصٌ مطلق، يجتمعان في مصدقٍ بقلبه آتٍ بالأعمال الشرعية، وينفرد الإيمان في مصدقٍ بقلبه غير آتٍ بالأعمال الشرعية، فكل مسلمٍ بهذا المعنى مؤمن ولا عكس. اهـ "مدابغي"

<<  <   >  >>