للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(وملائكته) (١) جمع مَلَكٍ على غير قياس، أو جمع مَلْأَك على مَفْعَل؛ إذ هو من الألوكة، وهي الرسالة، ثم خُفف بنقل الحركة والحذف، فصار ملكًا، وقيل فيه غير ذلك، وتاؤه لتأنيث الجمع، وقيل: للمبالغة، غلبت في الأجسام النورانية المبرأة من الكدورات الجسمانية، القادرة على التشكل بالأشكال المختلفة؛ أي: بأنهم عبادٌ له -لا كما زعم المشركون: من تألُّهِهِمْ- مكرمون، لا كما زعم اليهود من تنقيصهم {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}.

وبأنهم سفراء اللَّه تعالى بينه وبين خلقه، متصرفون فيهم كما أذن، صادقون فيما أخبروا به عنه، وأنهم بالغون من الكثرة ما لا يعلمه إلا اللَّه تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ}، "أطَّتِ السماء، وحُقَّ لها أن تئط؛ ما من موضع قدمٍ إلا وفيه ملَكٌ ساجدٌ أو راكع" (٢).

(وكتبه) أي: بأنها كلام اللَّه تعالى الأزلي القديم، القائم بذاته، المنزه عن الحرف والصوت، وبأنه تعالى أنزلها على بعض رسله بألفاظٍ حادثةٍ في ألواح، أو على لسان الملك، وبأن كل ما تضمنته حقٌّ وصدقٌ، وبأن بعض أحكامها نُسخ وبعضها لم ينسخ.

قال الزمخشري وغيره: (وهي مئة كتاب وأربعة كتب، أُنزل منها خمسون على شيث، وثلاثون على إدريس، وعشرةٌ على آدم، وعشرةٌ على إبراهيم، والتوراة، والزبور، والإنجيل، والفرقان) (٣).

(ورسله) أي: بأنه أرسلهم إلى الخلق؛ لهدايتهم وتكميل معاشهم ومعادهم،


(١) قدَّم الملائكة على الرسل اتباعًا لترتيب الوجود؛ فإن الملائكة مقدمةٌ للخلق، أو لترتيب الواقع في تحقيق معنى الرسالة؛ فإنه يقال: أرسل المَلَك إلى الرسول، لا تفضيلًا للملائكة على الرسل كما زعم المعتزلة. اهـ هامش (أ)
(٢) أخرجه الحاكم (٢/ ٥١٠)، والترمذي (٢٣١٢)، وابن ماجه (٤١٩٠) عن سيدنا أبي ذر رضي اللَّه عنه.
وقوله: (أطَّتِ السماء) وهو بفتح الهمزة وتشديد الطاء، قال الطيبي: الأطيط: صوت الأقتاب، وأطيط الإبل: أصواتها وحنينها؛ أي: إن كثرة ما فيها من الملائكة قد أثقلها حتى أطَّت؛ وهو مثل، وإيذانٌ بكثرة الملائكة وإن لم يكن ثمة أطيط، وإنما هو كلام تقريبٍ أُريد به تقرير عظمة اللَّه تعالى وقدرته. اهـ "مدابغي"
(٣) انظر "الكشاف" (٤/ ٧٤٢ - ٧٤٣) فقد ذكره الإمام الزمخشري رحمه اللَّه عن سيدنا أبي ذر -رضي اللَّه عنه- مرفوعًا، وهو جزءٌ من حديثٍ طويلٍ عند ابن حيان (٣٦١).

<<  <   >  >>