للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أي: بأن ما قدره اللَّه في أزله لابد من وقوعه، وما لم يقدره يستحيل وقوعه، وبأنه تعالى قدر الخير والشر قبل خلق الخلق، وأن جميع الكائنات بقضائه وقدره وإرادته؛ لقوله تعالى: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ}، {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ}، {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} بنصب (كل) كما أجمع عليه السبعة، وحينئذٍ فقد نص على عموم الخلق؛ إذ تقديره: إنا خلقنا كل شيء خلقناه بقدر، وبرفعها يزول هذا المعنى (١)؛ إذ تقديره حينئذ: إنا كلُّ شيءٍ مخلوقٌ لنا بقدر، فتأمله.

{وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ}، ولإجماع السلف والخلف على صحة قول القائل: ما شاء اللَّه. . كان، وما لم يشأ. . لم يكن، ولخبر: "كل شيءٍ بقدر حتى العجز والكيس" (٢).

والقضاء عند الأشعرية: إرادته الأزلية المتعلقة بالأشياء على ما هي عليه فيما لا يزال، والقدر: إيجاده إياها على قدرٍ مخصوصٍ وتقديرٍ معينٍ في ذواتها وأفعالها؛ أو القضاء: علمه أزلًا بالأشياء على ما هي عليه، والقدر: إيجاده إياها على ما يطابق العلم.

وأنه يرحم من يشاء من خلقه فضلًا، ويعذب من يشاء منهم عدلًا، كل نعمةٍ منه فضلٌ، وكل نقمةٍ منه عدلٌ: {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ}.

وأنه أعلم بطبائع خلقه منهم: {هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ} فما فعل فيهم. . فهو غير ملوم، ولا يطلعون على علمه (٣)، ولا على عدله.

وأن له تكليفهم بما شاء من الأفعال مع تقدير أسباب منعهم منها، وهو المسمى:


(١) وقرأ به أبو السمال كما ذكر ابن عطية رحمه اللَّه تعالى في "المحرر الوجيز" (٥/ ٢٢١).
(٢) أخرجه مسلم (٢٦٥٥)، وابن حبان (٦١٤٩)، والإمام أحمد (٢/ ١١٠) عن سيدنا عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه عنهما. وقوله: (حتى العَجْز والكيس) العجز: التقصير عما يجب فعله، والكَيْس -بفتح الكاف-: النشاط والحِذق وكمال العقل وشدة معرفة الأمور، وهما مجروران بـ (حتى) أو بعطفهما على (شيء)، أو مرفوعان عطفًا على (كل) أو على الابتداء، والخبر محذوف؛ أي: كائنان بقدر اللَّه. اهـ "مدابغي"
(٣) قوله: (ولا يطلعون على علمه) عطف على قوله: (أعلم بطباع خلقه منهم) أو عطف على قوله: (فما فعل. . فهو غير ملوم). وفي بعض النسخ: (ولا مطعونٍ على عمله) بالجر عطفًا على (ملوم).

<<  <   >  >>