للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بتكليف ما لا يطاق (١)، ومن ثم قال بعض العلماء: يجب السكوت عن (كيف) في صفاته، وعن (لِمَ) في أفعاله.

واعلم: أن الإيمان بالقدر على قسمين:

أحدهما: الإيمان بأنه تعالى سبق في علمه ما يفعله العباد من خيرٍ وشرٍّ، وما يُجازَون عليه، وأنه كتب ذلك عنده وأحصاه، وأن أعمال العباد تجري على ما سبق في علمه وكتابه.

ثانيهما: أنه تعالى خلق أفعال عباده كلَّها من خيرٍ وشرٍّ وكفرٍّ وإيمانٍ، وهذا القسم تنكره القدرية كلهم، والأول لا ينكره إلا غلاتهم، وكفَّرهم بإنكاره كثيرون، ومحل الخلاف حيث لم ينكروا العلم القديم، وإلَّا. . كفروا كما نصَّ عليه الشافعي وأحمد وغيرهما.

(قال: صدقت) قيل: ويؤخذ من الحديث تكفير القدرية بإنكار القدر؛ لأنه جعل الإيمان به من جملة أركان الدين التي يكفر منكر واحدٍ كل منها، ويشهد له تبرئة ابن عمر منهم، وخبر: "القدرية مجوس هذه الأمة" (٢)، والأشبه: عدم كفرهم؛ لتعارض شُبَهٍ عندهم، فلهم نوع عذر. اهـ

والحاصل: أن أهل السنة: اختلفوا في تكفير المخالف في العقائد بعد الاتفاق على أن ما كان من ضروريات الدين يكفر مخالفه، كالقول بقدم العالم، ونفي حشر الأجساد، ونفي علمه تعالى بالجزئيات، وإثبات أنه تعالى موجبٌ بالذات لا بالاختيار، تعالى اللَّه عما يقول الظالمون والجاحدون علوًا كبيرًا، بخلاف ما ليس


(١) قوله: (وهو المسمى بتكليف ما لا يطاق) هذه المسألة مبسوطة في "العقائد النسفية" و"شرحها" للسعد التفتازاني، و"جمع الجوامع" الأصولي و"شرحه" للجلال المحلي، وحاصلها: أن الصحيح جواز التكليف بالممتنع مطلقًا، سواء كان ممتنعًا لذاته كالجمع بين الضدين أم لغيره؛ كالمشي من الزَّمِن، والطيران من الإنسان، وإيمان مَنْ علم اللَّه أنه لا يؤمن، وأما وقوع التكليف بالممتنع. . فالجمهور على عدم وقوعه؛ لقوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}، لا في الممتنع؛ لتعلق علم اللَّه بعدم وقوعه؛ كإيمان الكافر، وطاعة العاصي، فإن التكليف به جائزٌ وواقعٌ اتفاقًا، قال السعد (ص ١٤٩): لكونه مقدور المكلف بالنظر إلى نفسه. وقال الجلال المحلي (١/ ٢٧٣): لكونه في وسع المكلفين ظاهرًا. اهـ "مدابغي"
(٢) أخرجه الحاكم (١/ ٨٥)، وأبو داوود (٤٦٩١)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (١٠/ ٢٠٣) عن سيدنا ابن عمر رضي اللَّه عنهما.

<<  <   >  >>