من ضرورياته؛ كنفي المعتزلة مبادئ الصفات من نحو العلم والقدرة، مع إثباتهم لها بقولهم: عالم قادر ونحوهما، وكقولهم: إن الشر غير مرادٍ له تعالى، وإن القرآن مخلوق، فقيل بكفرهم؛ لأن نفي مبادئ الصفات وعموم الإرادة جهلٌ باللَّه تعالى، ولخبر:(من قال: القرآن مخلوق. . فهو كافر)(١).
والمختار الذي عليه جمهور المتكلمين والفقهاء: أنه لا يكفر أحدٌ من المخالفين في غير الضروري.
والجهل به تعالى من بعض الوجوه غير مكفر، وليس أحدٌ من أهل القبلة يجهله تعالى إلا كذلك؛ فإنهم على اختلاف مذاهبهم اعترفوا بأنه تعالى قديمٌ أزليٌّ، عالمٌ قادر، موجدٌ لهذا العالَم، والخبر المذكور غير ثابت، أو المراد بالمخلوق فيه المختلَق؛ أي: المفترى، ومدعي ذلك كافرٌ إجماعًا.
نعم؛ يُبدَّعون ويُفسَّقون؛ لوجوب إصابة الحق عينًا في مسائل الخلاف في أصول الدين.
ووجه تشبيه القدرية بالمجوس: أن المعتزلة الذين هم القدرية أنكروا إيجاد الباري تعالى فعلَ العبد، فجعله بعضهم -كالجبائية- غيرَ قادر على عينه، وجعله بعضهم -كالبلخي وأتباعه- غيرَ قادرٍ على مثله، وجعلوا العبد قادرًا على فعله، فهو إثباتٌ للشريك كقول المجوس، فالإيمان والكفر عندهم من فعل العبد، لا من الرب سبحانه وتعالى.
ويقوي القولَ بتكفيرهم بذلك -وإن كان المختارُ خلافَه- أنهم خرقوا ببدعتهم هذه إجماعَ متقدمي الأمة على الابتهال إليه تعالى أن يرزقهم الإيمان، ويجنبهم الكفر.
هذا، واعلم: أن وجوب الإيمان باللَّه وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر لا يشترط فيه أن يكون عن نظيرٍ واستدلالٍ، بل يكفي اعتقاد جازمٌ بذلك، إذ المختار الذي عليه السلف، وأئمة الفتوى من الخلف، وعامة الفقهاء: صحةُ إيمان المقلد،
(١) نُقل هذا الكلام عن غير واحد من السلف. انظر "خلق أفعال العباد" للإمام البخاري رحمه اللَّه (ص ٢٩) وما بعدها، وانظر "سنن البيهقي الكبرى" (١٠/ ٢٠٦ - ٢٠٧).