للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(على ما كان منك) من المعاصي وإن تكررت (ولا أبالي) أي: لا أكترث بذنوبك ولا أستكثرها وإن كثرت؛ إذ لا يتعاظمه تعالى شيء؛ كما في الحديث الصحيح: "إذا دعا أحدكم. . فليعظم الرغبة؛ فإن اللَّه تعالى لا يتعاظمه شيء" (١).

ولأنه لا حجر عليه تعالى فيما يفعله، ولا معقب لحكمه، ولا مانع لتفضله وعطائه سبحانه.

ومعنى قولك: (لا أبالي بكذا) أي: لا يشتغل بالي به، وهذا موافقٌ لقوله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} الآيةَ، ولقوله: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}، ولقوله في الحديث القدسي: "أنا عند ظنِّ عبدي بي، فليظن بي ما شاء" (٢)، وفي رواية: "فلا تظنوا باللَّه إلا خيرًا" (٣).

وورد: (إن العبد إذا أذنب ثم ندم فقال: أي رب؛ إني أذنبت ذنبًا ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي. . قال: فيقول اللَّه تعالى: أذنب عبدي ذنبًا وعلم أن له ربًا يغفر الذنوب، ويأخذ بالذنب، أشهدكم أني قد غفرت له، ثم يفعل ذلك ثانية وثالثة، فيقول اللَّه جل جلاله في كل مرةٍ مثل ذلك، ثم يقول: اعمل ما شئت فقد غفرت لك) (٤) يعني: ما أذنبت واستغفرت.

وفي ذلك حثٌّ أكيدٌ على الدعاء، والمخالفُ في ذلك لا يُعبأ به (٥)؛ فإن الآيات والأحاديث الكثيرة الشهيرة تردُّ عليه، ولا ينافي ما مر تخلف الإجابة عن الدعاء كثيرًا؛ لأن ذلك غالبًا لانتفاء بعض شروط الدعاء، أو وجود بعض موانعه، وقد


= عبد اللَّه؟ قال: أصبحت من الدنيا راحلًا، ولإخواني مفارقًا، ولكأس المنية شاربًا، ولا أدري إلى الجنة تصير روحي فأُهنِّيها، أم إلى النار فأُعزِّيها. ثم قال: (من الطويل)
ولما قسا قلبي وضاقت مذاهبي ... جعلت رجائي نحو عفوك سُلَّما
تعاظمني ذنبي فلما قرنته ... بعفوك ربي كان عفوك أعظما
(١) أخرجه ابن حبان (٨٩٦) عن سيدنا أبي هريرة رضي اللَّه عنه.
(٢) أخرجه ابن حبان (٦٣٣) عن سيدنا واثلة بن الأسقع رضي اللَّه عنه.
(٣) عند ابن أبي الدنيا في "حسن الظن باللَّه" (٨٤) عن سيدنا أبي هريرة رضي اللَّه عنه.
(٤) أخرجه البخاري (٧٥٠٧)، ومسلم (٢٧٥٨) عن سيدنا أبي هريرة رضي اللَّه عنه.
(٥) وهم المعتزلة قبَّحهم اللَّه تعالى، وقد ردَّ عليهم الإمام اللقاني رحمه اللَّه تعالى في "جوهرته" بقوله: (من الرجز)
وعندنا أن الدعاء ينفع ... كما من القرآن وعدًا يُسمَعُ

<<  <   >  >>