قريباً من السلطة كما يزعمون، ومؤثراً على الحاكم كما يدعون، بل لوحق وتوبع، وهاهي كتب التاريخ تشهد بذلك وتنطق. ومن ذلك ما ذكر الذهبي وغيره. أنه كان للبربهاري مجاهدات ومقامات في الدين وكان المخالفون يغلظون قلب السلطان عليه، ففي سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة أراد السلطان حبسه، فاختفى. وأُخذ كبار أصحابه، وحُملوا إلى البصرة فعاقب الله الوزير وأعاد الله البربهاري إلى حشمته، وكثر أصحابه، فبلغنا أنه اجتاز بالجانب الغربي فعطس فشمته أصحابه، فارتفعت ضجتهم حتى سمعها الخليفة فأُخبر بالحال فاستهولها، ثم لم تزل المبتدعة تُوحِّشُ قلب الراضي حتى نودي في بغداد: لا يجتمع اثنان من أصحاب البربهاري، فاختفى حتى مات. ودفن بدار اخته توزون فقيل إنه لما كفن وعنده الخادم صلى عليه وحده، فنظرت هي من الروشن فرأت البيت مُلِئَ رجالاً في ثياب بيض يصلون عليه فخافت وطلبت الخادم، فحلف أن الباب لم يفتح (١). فهل هذا الشيخ الجليل المهيب الذي لا ينجو من أذى حاكم إلا ويتلقاه حاكم آخر يصور بأن له هذه المكانة وهذه الحظوة التي تجعل رجلاً بمكانة الإمام الأشعري يُغَيِّرُ عقيدته من أجله؟! فأصحاب هذا الباطل يروحون لمثل هذه الأكاذيب لأهداف خبيثة من أجل أن يكذبوا على الناس بقولهم إن التجهم والاعتزال لم يقمع ولم يحذر مه وينهى عنه
(١) انظر سير أعلام النبلاء ١٥/ ٩١، ٩٢ والمنتظم ١٤/ ١٤، وشذرات الذهب ٤/ ١٥٨.