(٢) من الأمور المتفق عليها بين أهل السنه والجماعة إثبات عذاب القبر ونعيمه، حيث نقل الإجماع في المسألة غير واحد، كالأشعري في رساله أهل الثغر ص ٢٧٩ والأمام بن قتيبه في تأويل مختلف الحديث ص ٤٥٦ - ٤٥٨، والأصبهاني في الحجة (١/ ٤٨٦ و ٥١٣ و ٢/ ٢٨١) وشيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - حيث قال: العذاب والنعيم على النفس والبدن جميعاً باتفاق أهل السنه والجماعة، تنعم النفس وتعذب منفردة عن البدن، وتعذب متصلة بالبدن. انظر: مجموع الفتاوى (٤/ ٢٨٢). واللالكائي في شرح أصول الاعتقاد (١/ ١٥٨)، وأنكرت بعض الطوائف عذاب القبر كغالب الخوارج، وتزعم أنه غير صحيح ومن ذلك ما ذكره شيخهم النفوسي بقوله: وأما عذاب القبر ثبت جابر وضعفه بعض الأئمة بالوهن وأما ورود الناس للنار إنه ورود يقين العلم واللمح بالعين. انظر متن النونية ص ٢٧ قال ابن حزم: ذهب ضرار الغطفاني أحد شيوخ المعتزلة، إلى إنكار عذاب القبر، وهو قول من لقينا من الخوارج، ثم ذكر ابن حزم حججهم والرد عليها. انظر الفصل ٢/ ٣٧٧، قلت: أمّا المعتزلة فالذي يظهر عدم إنكارهم لعذاب القبر، بل ذكر شيخهم القاضي عبدالجبار بأن هذا محل إجماع من الأمة. انظر: شرح الأصول الخمسة ٧٣٠ - ٧٣٤، وانظر: الكشاف للزمخشري ٣/ ٤٣١ عند تفسير للآية (٤٦) من سورة غافر. قلت: وأما أدلة عذاب القبر فكثيرة فمن الكتاب قوله تعالى: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} سورة غافر آية (٤٦) وقال عن قوم نوح: {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا} [سورة نوح آية (٢٥)] وأما في السنة فمنها ما رواه البخاري عن ابن عباس قال مر النبي صلى الله عليه وسلم بحائط من حيطان المدينة، أو مكة، فسمع صوت إنسانين يعذبان في قَبْريهِما، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "يعذبان وما يعذبان في كبير" أخرجه البخاري في ك: الوضوء ب: من الكبائر من لا يستتر من بوله حديث رقم (٢١٦)، ومسلم في ك: الطهارة ب: الدليل على نجاسة البول ووجوب الاستبراء منه حديث رقم (٢٩٢)، كما وردت أحاديث في الصحيحين: انظر البخاري ك: الأذان، ب: الدعاء قبل السلام حديث (٨٣٢)، ومسلم ك: الصلاة، ب: ما يقول الرجل إذا سلم من حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستعيذ بالله من عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات ومن المأثم والمغرم ومن فتنة المسيح الدجال حديث (٥٨٨). وانظر ص ٦٩٢ من هذه الرسالة.