للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= رأى نفسه بالصين وهو بالأندلس، فإن الله عز وجل اخترعه في ذلك الوقت بالصين. وقد نسب ابن حزم هذا القول إلى صالح قبة تلميذ النظام فقال: «ذهب صالح تلميذ النظام إلى أن الذي يرى أحدنا في الرؤيا حق كما هو، وأنه من رأى أنه بالصين وهو بالأندلس فإن الله عز وجل اخترعه في ذلك الوقت بالصين، قال أبو محمد وهذا القول في غاية الفساد، لأن العيان والعقل يضطر إلى كذب هذا القول وبطلانه، أما العيان فلأننا نشاهد حينئذ هذا النائم عندنا وهو يرى نفسه في ذلك الوقت بالصين، وأما من طريق العقل فهو معرفتنا بما يرى الحالم من المحالات من كونه مقطوع الرأس حياً وما أشبه ذلك، وقد صح عن رسول الله أن رجلاً قص عليه رؤيا فقال: لا تخبر بتلاعب الشيطان بك. قال أبو محمد والقول الصحيح في الرؤيا هو أنواع: فمنها ما يكون من قبل الشيطان، وهو ما كان من الأضغاث والتخليط، ومنها ما يكون من حديث النفس وهو ما يشتغل به المرء في اليقظة فيراه في النوم من خوف عدو أو لقاء حبيب أو خلاص من خوف أو نحو ذلك، ومنها ما يكون من غلبة الطبع كرؤية من غلب عليه الدم للأنوار والزهر والحمرة والسرور، ورؤية من غلب عليه الصفراء للنيران ورؤية صاحب البلغم للثلوج والمياه وكرؤية من غلب عليه السوداء الكهوف والظلم، ومنها ما يريه الله عز وجل نفس الحالم إذا صفت من أكدار الجسد، وتخلصت من الأفكار الفاسدة، فيشرف الله تعالى به على كثير من المغيبات التي لم تأت بعد، وعلى قدر تفاضل النفس في النقاء والصفاء يكون تفاضل ما يراه في الصدق» (انظر الفصل في الملل والأهواء والنحل ٥/ ١٤)، وفي طبعة المكتبة التوفيقية ٣/ ١٨٩.
وهناك من أهل العلم من ذكر وجود طائفة تطعن في صحة الرؤيا وتزعم أنها ليست بشيء دون أن يسميهم، ومن هؤلاء صديق حسن خان والذي قال: «والرؤيا من الله تعالى وحي حق، إذا رأى صاحبها في منامه ما ليس ضغثاً، فقصها على عالم وصدق فيها وأولها على أصل تأويلها الصحيح ولم يحرف، والرؤيا تأويلها حق وقد كانت الرؤيا من الأنبياء وحيا. فأي جاهل أجهل مما يطعن في الرؤيا ويزعم أنها ليست بشيء، وبلغني أن من قال هذا القول لا يرى الاغتسال في الاحتلام (انظر: قطف الثمر في بيان عقيدة أهل الأثر ص ١١٩). وخلاصة الأمر أن بعض المتكلمين قد شكك في صحة أمر الرؤيا، وذهب إلى أنها مجرد أوهام وأضغاث أحلام، وممن قال بذلك نفر من الجهمية، وبعض المعتزلة - وليس المعتزلة جميعاً - أما أهل السنة وأصحاب الحديث فهم - كما ذكر الأشعري هنا - يصححون كثيراً من الرؤى، ويرون أن لها تفسيراً. والخلاصة: أن سبب إنكارهم للرؤيا بسبب إنها تخيلات وتوهمات من وجهة نظرهم الضالة.

<<  <   >  >>