قدم بغداد جاء إلى أبي محمد البربهاري، فجعل يقول: - رددت على الجبائي، رددت على المجوس، وعلى النصارى. فقال أبو محمد: لا أدري ما تقول! ولا نعرف إلا ما قاله الإمام أحمد. فخرج وصنف الإبانة، فلم يقبل منه (١). وهذه القصة دليل على تأخر كتاب الإبانة.
خامسًا: نجد في الإبانة إثبات الصفات الخبرية والعقلية الاستواء، بل ونجد فيها الاعتماد على الوحيين ونبذ التأويل، ولا يتحدث فيها الأشعري عن القضايا الكلامية التي ذكرها في اللمع، وهذا دليل على تدرجه بالتخلي عن علم الكلام؛ لأن معرفته في هذه المرحلة لعلم الكلام أكثر من معرفته لمنهج أهل الحديث، لذا كان اللمع أقرب لمنهج المتكلمة من منهج أهل الحديث كحال مؤلفه في تلك الفترة.
(١) انظر سير أعلام النبلاء ٩٠/ ١٥ وطبقات الحنابلة ٢/ ١٨، والوافي ١٢/ ٢٤٦، وتبيين كذب المفتري ٣٩٠، ٣٩١. وقد ضعف ابن عساكر هذه القصة حيث قال: وأدل دليل على بطلانها قوله: أنه لم يظهر ببغداد إلى أن خرج منها، وهو بعد إذ صار إليها لم يفارقها ولا رحل عنها فإن بها كانت منيته وفيها قبره وتربته انظر التبيين ص ٣٩١ وقال الشيخ المحمود: إن ابن عساكر أنكر القصة ولم ينكر تأخر الإبانة انظر موقف ابن تيمية ١/ ٣٨٢. قلت: وهو الظاهر من كلامه والله أعلم.