يخرج عنه شيء من أفراد المحدود فيكون جامعا، فمؤدى العبارتين واحد والأولى أوضح فيصدقان بالحيوان الناطق حدا للإنسان بخلاف حدّه بالحيوان الكاتب بالفعل، فإنه غير جامع وغير منعكس، وبالحيوان الماشي فإنه غير مانع وغير مطرد وتفسير المنعكس، بما ذكر الموافق للعرف واللغة حيث يقال كل إنسان ناطق، وبالعكس وكل إنسان حيوان، ولا عكس أظهر في معنى الجامع من تفسير ابن الحاجب وغيره له، بأنه كلما انتفى الحدّ انتفى
المحدود اللازم لذلك التفسير، وبما ذكر علم أنه قد يكون للشيء حدّان فأكثر، كقولهم الحركة نقلة وزوال وذهاب في جهة وهو المختار، كما نقله الزركشي عن القاضي عبد الوهاب بعد نقله عن غيره خلافه.
(والكلام) النفسي (في الأزل يسمى خطابا) حقيقة في الأصح بتنزيل المعدوم الذي سيوجد منزلة الوجود، وقيل لا يسماه حقيقة لعدم من يخاطب به إذ ذاك، وإنما يسماه حقيقة فيما لا يزال عند وجود من يفهم وإسماعه إياه ما بلفظ كالقرآن، أو بلا لفظ كما وقع لموسى عليه الصلاة والسلام خرقا للعادة، وقيل سمعه بلفظ من جميع الجهات لذلك. (و) الكلام النفسي في الأزل (يتنوّع) إلى أمر ونهي وخبر وغيرها. (في الأصح) بالتنزيل السابق، وقيل لا يتنوّع إليها لعدم من تتعلق به هذه الأشياء إذ ذاك، وإنما يتنوّع إليها فيما لا يزال عند وجود من يتعلق به فتكون الأنواع حادثة مع قدم المشترك بينها، وهذا يلزمه محال وهو وجود الجنس مجردا عن أنواعه إلا أن يراد أنها أنواع اعتبارية أي عوارض له يجوز خلوّه عنها تحدث بحسب التعلقات كما أن تنوّعه إليها على الأول بحسب التعلقات أيضا لكونه صفة واحدة كالعلم وغيره من الصفات، فمن حيث تعلقه في الأزل أو فيما لا يزال بشيء على وجه الاقتضاء لفعله يسمى أمرا أو لتركه يسمى نهيا، وعلى هذا القياس، وأخرت كالأصل هاتين المسألتين عن الدليل لأن موضوعهما مدلوله في الجملة والمدلول متأخر عن الدليل، وإنما قدمتا على النظر المتعلق بالدليل أيضا لأن موضوعهما أشدّ ارتباطا منه بالدليل لأنه مقصود من الدليل والنظر من آلات تحصيله. ((والنظر) لغة يقال لمعان منها الاعتبار والرؤية واصطلاحا (فكر) . وتقدم تفسيره (يؤدّي) أي يوصل (إلى علم أو اعتقاد) والتصريح به من زيادتي، (أو ظنّ) بمطلوب خبري فيها أو تصوّري في العلم والاعتقاد، فخرج الفكر غير المؤدّي إلى ذلك كأكثر حديث النفس فليس بنظر وشمل التعريف النظر
الصحيح من قطعي وظني، والفاسد فإنه يؤدّي إلى ذلك بواسطة اعتقاد أو ظن كما مر بيانه، وإن لم يستعمل بعضهم التأدية إلا فيما يؤدّي بنفسه كذا قيل، وظاهر أنه خاص بتأديته إلى الاعتقاد أو الظنّ لا إلى العلم لما مر في تعريف الدليل. (والإدراك) لغة الوصول واصطلاحا وصول النفس إلى تمام المعنى من نسبة أو غيرها (بلا حكم) معه من إدراك وقوع النسبة أو لا وقوعها (تصور) ساذج، ويسمى علما أيضا كما علم مما مر، أما وصول النفس إلى المعنى لا بتمامه فيسمى شعورا. (وبه) أي بالحكم أي والإدراك للنسبة وطرفيها مع الحكم المسبوق بذلك. (تصوّر بتصديق) أي معه كإدراك الإنسان والكاتب وثبوت الكتابة له، وأن النسبة واقعة أولاً في التصديق بأن الإنسان كاتب أو أنه ليس بكاتب الصادقين في الجملة. (وهو) أي التصديق (الحكم) وهذا من زيادتي وهو رأي المحققين، وقيل التصديق التصور مع الحكم، وعليه جرى الأصل، فالتصورات السابقة على الحكم على هذا شطر منه، وعلى الأول شرط له، وتفسيري له بأنه إدراك وقوع النسبة أو لا وقوعها هو رأي متقدمي المناطقة. قال القطب الرازي وغيره من المحققين وهو التحقيق، وأما متأخروهم ففسروه بإيقاع النسبة أو انتزاعها، وقدماؤهم قالوا الإيقاع والانتزاع ونحوهما عبارات وألفاظ أي توهم أن للنفس بعد تصور النسبة وطرفيها فعلاً وليس كذلك، فالحكم عندهم من مقولة الانفعال، وعند متأخريهم من مقولة الفعل.