(وجازمه) أي الحكم أي والحكم الجازم (إن لم يقبل تغيرا) بأن كان لموجب من حس ولو باطنا أو عقل أو عادة، فيكون مطابقا للواقع. (فعلم) كالحكم بأن به جوعا أو عطشا أو بأن زيدا متحرك ممن رآه متحركا أو بأن العالم حادث، أو بأن الجبل من حجر. (وإلا) أي وإن قبل التغير بأن لم يكن لموجب مما ذكر طابق الواقع أو لا. إذ يتغير الأول بالتشكيك والثاني به أو بالاطلاع على ما في نفس الأمر. (فاعتقاد) وهو اعتقاد (صحيح إن طابق) الواقع كاعتقاد المقلد سنية الضحى، (وإلا) أي وإن لم يطابق الواقع (ففاسد) كاعتقاد الفلسفي قدم العالم، (و) الحكم (غير الجازم ظن ووهم وشك لأنه) أي غير الجازم إما (راجح) لرجحان المحكوم به على نقيضه فالظن، أو مرجوح) لمرجوحية المحكوم به لنقيضه فالوهم، أو مساو) لمساواة المحكوم به من كل من النقيضين على البدل للآخر فالشك فهو بخلاف ما قبله حكمان، كما قال إمام الحرمين والغزالي وغيرهما الشك اعتقادان يتقاوم سببهما. وقال بعض المحققين ليس الوهم والشك من التصديق أي بل من التصور، إذ الوهم ملاحظة الطرف المرجوح والشك التردّد في الوقوع واللاوقوع، فما أريد مما مر من أن العقل يحكم بالمرجوح أو المساوي عنده ممنوع على هذا، وقد أوضحت ذلك في الحاشية، وقد يطلق العلم على الظن كعكسه مجازا، فالأول كقوله تعالى {فإن علمتموهنّ مؤمنات} أي ظننتموهن والثاني كقوله تعالى {الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم} أي يعلمون ويطلق الشك مجازا كما يطلق لغة على مطلق التردّد الشامل للظن والوهم، ومن ذلك قول الفقهاء من تيقن طهرا أو حدثا وشك في ضدّه عمل بيقينه.
(فالعلم) أي القسم المسمى بالعلم التصديقي من حيث تصوره بحقيقته بقرينة السياق (حكم جازم لا يقبل تغيرا فهو نظري يحد في الأصح) . واختار الإمام الرازي أنه ضروري أي يحصل بمجرد التفات النفس إليه من غير نظر واكتساب، لأن علم كل أحد بأنه عالم بأنه موجود مثلاً ضروري بجميع أجزائه، ومنها تصور العلم بأنه موجود بالحقيقة وهو علم تصديقي خاص، فيكون تصور مطلق العلم التصديقي بالحقيقة ضروريا وهو المدعي. وأجيب بمنع أنه يتعين أن يكون من أجزاء ذلك تصور العلم المذكور بالحقيقة، بل يكفي تصوره بوجه، فالضروري تصور مطلق العلم التصديقي بالوجه لا بالحقيقة الذي النزاع فيه، وعلى ما اختاره فلا يحدّ، إذ لا فائدة، في حدّ الضروري لحصوله بغير حدّ قال نعم قد يحدّ الضروري لإفادة العبارة عنه أي فيكون حدّه حينئذ حدّا لفظيا لا حقيقيا. وقال إمام الحرمين هو نظري لكنه عسر أي لا يحصل إلا بنظر دقيق لخفائه ومال إليه الأصل حيث قال فالرأي الإمساك عن تعريفه أي المسبوق بذلك التصور العسر صونا للنفس عن مشقة الخوض في العسر. قال الإمام ويميز عن غيره من أقسام الاعتقاد بأنه اعتقاد جازم مطابق ثابت فليس هذا حقيقته عنده، والترجيح من زيادتي.
(قال المحققون ولا يتفاوت) العلم (إلا بكثرة المتعلقات) أي لا يتفاوت في جزئياته فليس بعضها ولو ضروريا أقوى من بعضها ولو نظريا، وإنما يتفاوت بكثرة المتعلقات في بعض جزئياته دون بعض فيتفاوت فيها كما في العلم بثلاثة أشياء والعلم بشيئين، بناء على اتحاد العلم مع تعدّد المعلوم، كما هو قول بعض الأشاعرة قياسا على علم الله تعالى، والأشعري وكثير من المعتزلة على تعدد العلم بتعدد المعلوم، وأجابوا عن القياس بأنه خال عن الجامع، وعلى هذا لا يقال يتفاوت بما ذكر، وقيل يتفاوت العلم في جزئياته، إذ العلم مثلاً بأن الواحد نصف الاثنين أقوى في الجزم من العلم بأن العالم حادث. وأجيب بأن التفاوت في ذلك