للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويوضح الحق من الباطل". (١)

فلزمهم أن يقوموا بواجبهم تجاه كتاب ربهم ويردوا تلك المصنفات إلى ما أجمعت عليه الأمة وسارت عليه تلك القرون الطوال، كما يُرد المتشابه إلى المحكم، فإن من خصائص أهل الحق رد المتشابه إلى المحكم، كما إن من خصائص أهل الباطل اتباع المتشابه ورد المحكم.

طوام كبرى نخشاها

هذا ونخشى أن يأتي على الأمة زمان يأتي فيه من يُنادي بإعادة ترتيب آيات القرآن ترتيبًا نزوليًا كما نادى المستشرقون بترتيب السور ترتيبًا نزوليًا كذلك، وهم يريدون بذلك الطعن في القرآن ليفقد بذلك أعظم دلائل بقائه وحفظه، من مصداقيته، وتحقق أوجه إعجازه، وجزالة لفظه، ودقة نظمه، وترابط نصه، ووحدة موضوعيته، ولكن كما قال الله تعالى: (وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) (التوبة من آية: ٣٢)، فقد تولى الله تعالى حفظ كتابه بذاته العلية فقال سبحانه: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر: ٩)، ونخشى أن يتبعهم على ذلك من أعمى الله بصائرهم عن لزوم الحق والتمسك به ممن لا خلاق لهم ولا حظ ولا نصيب من علم ولا ورع ولا تقوى من بني جلدتنا، والله تعالى وحده من وراء القصد وهو حسبنا ونعم الوكيل. والحمد لله رب العالمين.

بيان وجوب احترام الترتيب المصحفي وعدم التعرض له، والتصدي لمن تعرض له

والخلاصة فإن الأمر قد انتهى إلى أنه يجب احترام هذا الترتيب.

"وسواء أكان ترتيب سور القرآن اجتهاديًا (من الصحابة) أو توقيفيًا (من عند الله) فإنه يجب احترامه خصوصًا في كتابة المصاحف لأنه عن إجماع الصحابة والإجماع حجة. ولأن خلافه يجر إلى الفتنة ودرء الفتنة وسد ذرائع الفساد واجب. ". (٢)

وبعد الانتهاء من بيان أمر تلك التفاسير الثلاثة التي خالف مؤلفُوها جماهير السلف والخلف في لزوم الترتيب المصحفي، والجنوح عنه إلى الترتيب النزولي نرجع إلى أصل البحث هنا ألا وهو استعراض أقوال وأدلة القائلين بالقول بأن ترتيب السور توقيفي والحكم عليها،

وقد تبين لنا أمورًا ذكرنا منها أمرين اثنين وننتقل إلى ما تبقى من تلك الأمور فيما يلي:

ثالثًا: إن كان في ترتيب آيات القرآن فيه من الإعجاز ما فيه، فإن ترتيب السور قد استخرج منه العلماء دررًا في علم المناسبات بين السور كذلك. فهو لا يقل شأنًا عن ترتيب آياته.

قال محمد بن سيرين (ت: ١١٠ هـ) لعكرمة (ت: ١٠٧ هـ) أيّام الجمع الأول للقرآن:

"ألَّفوه كما أُنزل الأول فالأول، فقال عكرمة: لو اجتمع الإنس والجن على أن يألفوه ذلك التأليف ما استطاعوا ". (٣)

رابعًا: الأولى في تلاوة القرآن مراعاة الترتيب المصحفي سواء كان ذلك في الصلاة أم


(١) تفسير ابن سعدي: (١٦١/ ١).
(٢) - الزرقاني: مناهل العرفان: (١/ ٣٤٤).
(٣) السيوطيّ، الإتقان: (ص: ١٥٥).

<<  <   >  >>