ونفسي راضية، وأدع ما أدع وقلبي مطمئن، ولا على في هذا أو ذلك حرج، أو جناح»
أقول: أما إنه بعد إطلاعه على ما نقله في كتابه هذا صار عارفا بتاريخ الحديث النبوي إجمالاً فهذا قريب، لولا أن هناك قضايا عظيمةيصورها في كتابه هذا على نقيض حقيقتها كما سنقيم عليه الحجة الواضحة إن شاء الله تعالى.
وأما أنه أصحب على بينة إلى آخر ما قال فهذه دعوى تحتمل تفسيرين: الأول: أنه أصبح يعرف بنظرة واحدة إلى الحديث من الأحاديث حقيقة حاله من الصحة قطعاً أو ظناً/ أو احتمالاً أو البطلان كذلك.
الثاني: أنه ساء ظنه بالحديث النبوي- إن لم يكن بالدين كله - فصار لا يراه إلا أداة يستغلها الناس لأهوائهم، فأصبح يأخذ منه ما يوافق هواه، ويرد ما يخالف هواه، بدون اعتبار لما في نفس الأمر من صحة أو بطلان.
من الجور أن نزعم أن مراد أبي رية هو ما تضمنه التفسير الأول، لأن ذلك باطل مكشوف، وذلك أن للقضية شطرين: الأول: أن يدع الحديث، الثاني: أنه يأخذ به.
فأما الشطر الأول، فالمسلم لا يدع الحديث وقلبه مطمئن، إلا إذا بان له أنه لا يصح، والذي في كتاب أبي رية مما ذكر أنه يدل على عدم الصحة، إما أن يقتضي امتناع الصحة قطعاً، كمناقضة الخبر للعقل الصريح أو للحس أو لنص القرآن، وإما أن يقتضي استبعادها فقط، والأول لا يحتاج الناس فيه إلى كتاب أبي رية هذا، والثاني لا يكفي، فإنه قد يثبت الخبر ثبوتاً يدفع الاستبعاد، إذن فثمرة مجهوده وكتابه بالنظر إلى هذا الشطر ضئيلة لا يليق التبجح بها.
وأما الشطر الثاني، فمن الواضح أن انتفاء الموانع الظاهرة كمناقضة العقل الصريح ونحوه إنما يفيد إمكان الصحة، ثم يحتاج بعد ذلك إلى النظر في السنة، فإن كان موثق الرجال، ظاهر الاتصال، قيل: صحيح الإسناد، ثم يبقى احتمال