أمراء المؤمنين وأئمة في العلم وأئمة في التقوى، قلنا فعمر بن عبد العزيز كذلك في هذا كله وهو الآمر بالتدوين، وتبعه الخلفاء بعده.
قال «يؤيد ما ورد أنهم كانوا [قبل ذلك] يكتبون الشيءلأجل حفظه ثم يمحونه» .
أقول: هذه حال بعضهم، وقد تقدم ص ٢٧-٢٨ أن جماعة كانوا يكتبون ويبقون كتبهم.
قال «وإذا أضفت إلى هذا ما ورد في عدم رغبة كبار الصحابة في التحديث بل في رغبتهم عنه» .
أقول: سيأتي رد هذا مفصلاً. والتحقيق أن بعض كبار الصحابة يرون أن تبليغ الأحاديث إنما يتعين / عند وقت الحاجة، ويرون أنهم إذا بلغوا بدون حضور حاجة فقد يكون منهم خطأ ما قد يؤاخذون به، بخلاف ما إذا بلغوا عند حضور الحاجة فإن ذلك متعين عليهم، فإما أن يحفظهم الله تعالى من الخطأ، وإما أن لا يؤاخذهم، لهذا رويت الأحايث عنهم كلهم، ولم ينقل عن أحد منهم أنه كان عنده حديث فتحققت الحاجة إلى العمل به فلم يحدث به.
وكان جماعة آخرون من الصحابة يحدثون وإن لم تتحقق حاجة، يرون أن التبليغ قبل وقت الحاجة مرغب فيه لقول النبي صلى الله عليه وسلم «حدثوا عني ولا حرج» وغير ذلك من الأدلة الداعية إلى نشر العلم وتبليغ السنة. ولكل وجهة، وكلهم على خير، على أنه لما قل الصحابة رجحت كفة الفريق الثاني.
قال «بل في نهيهم عنه» .
أقول: لم ينهوا، وكيف ينهون وما من أحد منهم إلا وقد حدث بعدد من الأحاديث، أو سأل عنها، وإنما جاء عن عمر أنه نهى عن الإكثار، ومرجع ذلك إلى أمرين: الأول استحباب أن لا يكون التحديث إلا عند حضور الحاجة،