للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الثاني: ما صرح به من إيثار أن لا يشغل الناس – يعني بسماع الأحاديث دون حضور حاجة – عن القرآن.

وجاء عنه كما يأتي «أقلوا الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا فيما يعمل به» و «العمل» في كلامه مطلق، يعم العبادات والمعاملات والآداب، لا كما يهوى أبو رية.

قال «قوي عندك ترجيح كونهم لم يريدوا أن يجعلوا الأحاديث (كلها) ديناً عاماً دائماً كالقرآن» .

أقول: هذه نظريته القائلة «دين عام ودين خاص» والذي يظهر من كلماته أن الدين العام الدائم هو الدين الحقيقي اللازم وأنه كما عبر عنه فيما مضى ص١٥ «المتفق عليه» وعلى هذا فمقصوده أن ما ذكر هنا يقوي عند مخاطبه أن الصحابة كانوا لا يوجبون العمل بالأحاديث الثابتة عندهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا قدراً يسيراً هو الذي اتفقوا ووافقهم بقية الأمة بعدهم على العمل به، وأن ما زاد على ذلك فالأمر فيه على الاختيار: من شاه أخذ، ومن شاء ترك. بل إنهم كانوا يرون من الخير أمانة تلك الأحاديث ‍!

فإن كان هذا مراده فبطلانه معلوم من الدين قطعاً. وحسبك أنه لم يحد أحداً من علماء الأمة ينسب إليه هذا القول بحق أو باطل سوى ما مر ص١٥ من نسبته أو نحوه إلى الغزالي، وقدمنا بيان بطلان تلك النسبة. هذا ونصوص الكتاب والسنة والمتواتر عن الصحابة وإجماع علماء الأمة، كل ذلك يبطل قوله هذا قطعاً على أن نظريته هذه لا تقتصر على إهمال الأحاديث الصحيحة بل تتضمن كما تقدم ص١٥ إهمال دلالات القرآن/ التي نقل ما يخالفها عن بعض من نسب إلى العلم ولو واحداً فقط، فعلى زعمه دلالات القرآن الظاهرة والأحاديث الصحيحة ولو رواها عدد من الصحابة لا يلزم المسلم أن يعمل بشيء منها قد نقل عن منسوب إلى

<<  <   >  >>