أقول: قد ذكر هو ص ٣٢٧ أن علماء الحديث قد عرفوا تلك الأصول ونقل عن صاحب المنار قوله «إن لعلماء فقه الحديث من وراء نقد أسانيد الأخبار والآثار نقدا آخر لمتونها.. ويشاركهم في هذا النوع من النقد رجال الفلسفة والأدب والتاريخ ويسمونه في عصرنا النقد التحليلي» فإن كان أبو رية يحسنه فإنماً عدل عنه ليتسع له المجال فيما يكره أن يتضح للمثقفين
لكن قال بعد هذا «وقد اضطررت إلى ذلك لأن قومنا حديثوا عهد بمثل هذا البحث، على أني أرجو أن يكون قد انقضى ذلك العهد الذي لا يشيع فيه إلا النفاق العلمي والرثاء الديني، ولا ينشر فيه إلا ما يروج بين الدهماء ويرضي عنه من يزعمون للناس زورا أنهم من المحدِّثين أو العلماء» وهذا يشعر أو يصرح بأنه يريد بالنقد التحليلي أمراً آخر انصرف برغمه عنه اتقاء لعلماء المسلمين وعامتهم وأخذا بنصيب مما يسميه بالنفاق العلمي والرثاء الديني. وفي كتابه أشياء تدل على قرب وأشياء تلد على بعد، وعبارته هذه ونحوها قريب من الضرب الأول وتلفت النظر إلى الثاني، فمنه ما مر في أول كتابه من الإشارة إلى أن جميع الذين اشتهروا في القرون الأولى بالعلم والإمامة ليسوا عنده علماء. ويأتي كلامه في الصحابة رضي الله عنهم وهجوه السوقى لأبي هريرة رضي الله عنه ومحاولته قلب محاسنه عيوباً والاستدلال بالحكايات الكاذبة للغض منه واختلاق التهم / الباطلة لتكذيبه، وذلك ينبئ عن فقر مدقع من توقير النبي صلى الله عليه وسلم واحترام جانبه وجحود شديد لبركة صحبته وملازمته وخدمته، وأهم من ذلك أن أبا رية يقسم الدين إلى عام وخاص، ويقول إن العام هو الدلائل القطعية من القرآن، والسنن العملية المتواترة التي أجمع عليها مسلمو الصدر الأول وكانت معلومة عندهم بالضرورة. انظر ص ٣٥٠ في كتابه. ثم يعود فيقرر أن الدلائل النقلية كلها ظنية. انظر ٣٥٣،٣٤٦منه. وأن الدين كله في القرآن لا يحتاج معه إلى غيره. «حسبنا كتاب الله» انظر ص ٣٤٩ منه، وأنه لا يلزم من الإجماع على