إلى كلامهم كله، وإنما نقلت لطرافتها، ومقتضى ذلك أنه لم يستطرف من كلامهم غيرها. وكذلك المنقول من شعرهم قليل، وإنما نقل ما استجيد، والشعر مظنة التصنع البالغ، ومع ذلك قد تقرأ القصيدة فلا تهتز إلا للبيت والبيتين، ثم إن كثيراً مما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم روي بالمعنى كما يأتي، فأما سقم المعنى فقد ذكر علماء الحديث أنه من علامات الموضوع، كما نقله أبو رية نفسه ص ١٠٤.
وذكر ابن أبي حاتم في تقدمة (الجرح والتعديل) ص ٣٥١ في علامات الصحيح «أن يكون كلاماً يصلح أن يكون من كلام النبوة» فإن كان أبو رية يستسقم معاني الأحاديث الصحيحة فمن نفسه أُتي.
ومن يكُ ذا فم مرّ مريض ... يجد مرّاً به العذبَ الزُّلالا
قوله:«أما المعنى فلا يعنيهم من أمره شيء» كذا قال، وقد أسلفتُ أن رعايتهم للمعنى سابقة، يراعونه عند السماع، وعند التحديث، وعند الحكم على الراوي، ثم يراعونه عند التصحيح، ومنهم من يتسامح في بعض ذلك، وهم معروفون كما تقدم. وقد قال أبو رية ص١٠٤:«ذكر المحققون أموراً كلية يعرف بها أن الحديث موضوع ... » فذكر جميع ما يتعلق بالمعنى- نقلاً عنهم.
فإن قال: ولكن مصححي الأحاديث لم يراعوا ذلك.
قلت: أما المثبتون كالبخاري ومسلم فقد راعوا ذلك، بلى في كل منهما أحاديث يسيرة انتقدها بعض الحفاظ أو ينتقدها بعض الناس. ومرجع ذلك إما إلى اختلاف النظر، وإما إلى اصطلاح لهما يغفل عنه المنتقد، وإما إلى الخطأ الذي لا ينجو منه بشر، وقد انُتقدت عليهما أحاديث من جهة السند، فهل يقال لأجل ذلك إنهما لم يراعيا هذا أيضاً؟
/ قال ص٥ «وعلى أنهم قد بذلوا أقصى جهدهم في دراسة علم الحديث من حيث روايته ... فإنهم قد أهملوا جميعاً أمراً خطيراً ... أما هذا كله ... فقد انصرف عنه العلماء والباحثون، وتركوه أخباراً في بطون الكتب مبعثرة ... » .