وفي عهد أصحابه قبول خبر الصحابي الواحد، فإن عرض احتمال خطأ أو نحو فقام صحابي آخر فأخبر بمثل ذاك لم يبق إلا القبول، كما يروى في خبر محمد بن مسلمة بمثل ماأخبره به المغيرة في ميراث الجدة فأمضاه أبو بكر، وكشهادة أبي هريرة لحسان بانشاده الشعر في المسجد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم فأقره عمر، وكخبر أبي سعيد الخدري بمثل خبر أبي موسى في الاستئذان فاطمأن إليه عمر، وقد قال الله تبارك وتعالى (١١٤:٤ ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا)
قال أبو رية (وقد جاءت الأخبار بأن الثاني وهو عبد الله بن عمرو بن العاص أصاب يوم اليرموك زاملتين من علوم أهل الكتاب فكان يحدث منها بأشياء كثيرة من الاسرائيليات، وقد قال فيهما الحافظ ابن كثير: إن منها المعروف والمشهور، والمنكور والمردود»
أقول: هو نفسه رضي الله عنه لم يكن يثق بها، ولهذا كان يسمى صحيفته عن النبي صلى الله عليه وسلم «الصادقة» تميزا لها على تلك الصحف وإنما كان يحكي من تلك الصحف، ماقام دليل على صدقة كصفة النبي صلى الله عليه وسلم، أو كان محتملاً فيحكيه على الاحتمال
قال «رواية بعض الصحابة عن أحبار اليهود، كان من أثر وثوق الصحابة بمسلمة أهل الكتاب واغترارهم بهم أن صدقوهم فيما يقولون ويروون عنهم ما يفترون»
أقول: إن أراد بالتصديق أن كعباً مثلاً كان إذا قال إني أجد في التوارة كيت وكيت، صدقوه في أن ذلك في التوراة التي بأيدي أهل الكتاب حينئذ وقد عرفوا أن فيها كثيراً من التحريف والتبديل، فهذا محتمل، لأن كعباً أسلم ثم تعلم الإسلام وبقي محافظاً على الإسلام مجتنباً للكبائر متمسكاً بالعبادة والتقوى، فكان عدلاً عندهم فيما يظهر، فعاملوه بحسب ذلك، وهذا هو الحق عليهم