السابع: اختلف الرواة عن الزهري في حكاية القصة، وأحسنهم سياقاً يونس ابن يزيد الأيلي، وقد شهد له ابن المبارك بأن كتابه صحيح وأنه كتب حديث الزهري على الوجه، أي كما تلفظ به الزهري، وفي روايته في صحيح مسلم بعد كلام الحارث «فأبى أبو هريرة أن يعرف ذلك وقال: لا يورد ممرض على مصح. فما رواه الحارث في ذلك حتى غضب أبو هريرة: قلت: أبيت. قال ابن سلمة: ولعمري لقد كان أبو هريرة يحدثنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا عدوى. فلا أدري نسي أبو هريرة أم نسخ أحد القولين الآخر» ؟
ولو صرح أبو هريرة بنفي أن يكون حدثهم من قبل لجزم أبو مسلمة بالنسيان (١) ، لكن لما سكت أبا هريرة عن الحديث وامتنع أن يجيبهم سألوه وغضب وقال: أبيت، فهم بعض الرواة من ذلك إبكاره، فعبر بعضهم عن قول أبي سلمة «فأبى أبو هريرة أن يعرف ذلك» بقوله «أنكر أبو هريرة الحديث الأول» ولا يخفى الفرق، فقوله «أبى أن يعرف» إنما معناه: امتنع أن يقول: نعم قد عرفت. وهذا الامتناع لا يفهم منه الإخبار بنفي المعرفة. ثم جاء بعض م بعدهم فعبر عن الإنكار بنسبته أبو هريرة أنه قال «لم أحدثكم» كما وقع عند الإسماعيلي من طريق شعيب ولا أدري ما سنده؟ وأصل حديث شعبة عند مسلم لكن لم يسق لفظه، وعند الطحاوي في مشكل الآثار ٢٦٢:٢ وليس فيه هذه الكلمة، وكأن أبا هريرة حدث بالحدثين مرة فتشكب بعض الناس في الجمع بينهما فرأى أبو هريرة أن التحديث بهما مظنة أن يقع الناس ارتياب أو
(١) فأما ما في صحيح البخاري عن أبي سلمة فما رأيته نسي حديثاً غيره فليس هذا جزماً بالنسيان لهذا الحديث، وإنما استثناه لأجل احتماله النسيان كما بينه الرواية الأخرى، وهذه شهادة عظيمة لأبي هريرة لجلاله أبي سلمة وطول ملازمته لأبي هريرة