الجسد المادي الذي يتمثل به الملك ليس جسده الحقيقي، وليس من لازم تمثله فيه أن يخرج الملك عن ملكيته، ولا أن يخرج ذاك الجسم المادي عن ماديته، ولا أن تكون حقيقة الملك إلى ذاك الجسم كنسبة أرواح الناس إلى أجسامهم، فعلى هذا لو عرض ضرب أو طعن أو قطع لذاك الجسم لم يلزم أن يتألم بها الملك ولا أن تؤثر في جسمه الحقيقي. ما المانع أن تقتضي حكمة الله عز وجل أن يتمثل ملك الموت بصورة رجل ويأمره الله أن يدخل على موسى بغته ويقول له مثلاً: سأقبض روحك. وينظر ماذا يصنع؟ لتظهر رغبة موسى في الحياة وكراهيته للموت فيكون في قص ذلك عبرة لمن بعده
فعلى هذا فإن موسى لما رأى رجلاً لا يعرفه دخل بغتة وقال ما قال، حمله حب الحياة على الاستعجال بدفعه، ولولا شدة حب الحياة لتأنى وقال: من أنت وما شأنك؟ ونحو ذلك
ووقوع الصكة وتأثيرها كان على ذاك الجسد العارض، ولم ينل الملك بأس. فأما قوله في القصة «فرد الله عليه عينه» فحاصله أن الله تعالى أعاد تمثيل الملك في ذاك الجسد المادي سليماً، حتى إذا رآه موسى قد عاد سليماً مع قرب الوقت عرف لأول وهلة خطأه أول مرة.
قال أبو رية «وفي تاريخ الطبراني عن أبي هريرة أن ملك الموت ... »
أقول: رجاله كلهم موصوفون بأنهم ممن يخطئ، فلا يصح عن أبي هريرة
قال «وأخرجا كذلك عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم: تحاجت الجنة والنار ... »
أقول: قد وافق أبا هريرة على هذا الحديث أنس بن مالك بن مالك وحديثه في الصحيحين وغيرهما، وأبو سعيد وحديثه في صحيح مسلم ومسند أحمد وغيرهما، وأبي بن كعب وحديثه في مسند أبي يعلى. وتفسير الحديث معروف
قال «وروى البخاري عنه: مابين منكبي الكافر مسيرة ثلاثة أيام