الكعبة أول ما صلى إليها، فخرج ممن كان معه لحاجته فمر وقت العصر ببي حارثة- وهم في بعض أطراف المدينة – وهم يصلون إلى بيت المقدس، فأخبرهم فاستداروا إ لى الكعبة فأتموا صلاتهم. وهكذا تحريم الكلام في الصلاة وتحريم الخمر، ومن المتفق عليه فيما أعلم أنه ليس واجباً على الأعيان / حفظ القرآن سوى الفاتحة، ولا تعلم القراءة والكتابة واتخاذ مصحف، ولايجب على الرجل أن يتعلم الفريضة إلا قرب العلم بها. وإنما الواجب أن يكون في الأمة علماء، ثم على العامي أن يسأل
عالماً ويعمل بفتواه، وكان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه يكتفى في العامل أن يكون – مع حفظه لما شاء الله من القرآن – عارفاً بطائفة حسنة من السنة ثم يقال له: إذا لم تجد الحكم في الكتاب والسنة فاسأل من ترجو أن يكون عنده علم، فإن لم تجد فاجتهد رأيك، وقد كان أبو بكر وعمر إذا لم يجدا الحكم في الكتاب ولا فيما يعلمانه من السنة سألا الصحابة فإذا أخبرا بحديث أخذا به، وربما أخبرهما من هو دونهما في العلم والفضل بكثير. وترى في رسالة الشافعي عدة قضايا لعمر من هذا القبيل. وإذ كان الواجب على الأمة أن يكون فيها علماء كل منهم عارف بالقرآن عارف بجملة حسنة من السنة ليعمل ويفتي ويقضي بما علم ويسأل من تيسر له من العلماء عما لم يعلم فإن لم يجد اجتهد فقد كان الصحابة يعلمون أن منهم عدداً كثيراً هكذا وأن من تابعيهم عدداً كثيراً كذلك لا يزالون في ازديار، وأن حال من بعدهم سيكون كذلك، وأن القرآن والسنة موجودان بتمامهما عند أولئك العلماء مافات أحدهم منهما فموجود عند غيره، رأوا أن هذا كاف في أداء الواجب عليهم مع الإيمان التام بأن الله تعالى حافظ لشريعته، نعم فكروا في الاحتياط لجمع السنة فعرض لهم خشيةُ أن يؤدي ذلك إلى محذور كما مر فكفوا عنه. مكتفين بما ظهر لهم من حرص المسلمين وما آمنوا به من حفظ رب العالمين. وغاية ما يخشى بعد هذا أن يجهل العالم شيئاً من السنة ولا يتيسر له من يخبره بها فيجتهد فيخطئ. وهذا في نظر الشرع ليس بمحذور كما علم مما مر في حال من كان من المسلمين بعيداً