للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وسألوه عَنِ الأُمراءِ الَّذينَ أخبر عنهم بعدَه، وعن طاعتهم وقتالهم، وسأله حذيفةُ عن الفتنِ، وما يصنع فيها (١).

فهذا الحديث، وهو قولهُ - صلى الله عليه وسلم -: «ذَرُوني ما تركتُكم، فإنَّما هلك مَنْ كان قبلَكُم بكثرةِ سُؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، يدلُّ على كراهة المسائل وذمِّها، ولكن بعضَ الناس يزعمُ أنَّ ذلك كان مختصاً بزمن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لما يخشى حينئذ من تحريم ما لم يُحرم، أو إيجاب ما يشقُّ القيام به، وهذا قد أمن بعد وفاته - صلى الله عليه وسلم -.

ولكن ليس هذا وحده هو سببَ كراهة المسائل، بل له سببٌ آخر، وهو

الذي أشارَ إليه ابنُ عباس في كلامه الذي ذكرنا بقوله: ولكن (٢) انتظرُوا، فإذا نزل

القرآن، فإنَّكم لا

تَسألونَ عن شيءٍ إلا وجدتم تبيانه.

ومعنى هذا: أنَّ جميعَ ما يَحتاجُ إليه المسلمون في دينهم لابدَّ أنْ يُبينه الله في كتابه العزيز، ويبلِّغ ذلك رسوله عنه، فلا حاجةَ بعدَ هذا لأحدٍ في السؤال، فإنَّ الله تعالى أعلمُ بمصالح عباده منهم، فما كان فيه هدايتُهم ونفعُهُم، فإن الله لابدَّ أنْ يبيِّنه لهمُ ابتداءً من غيرِ سؤال، كما قال: {يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا} (٣)، وحينئذ فلا حاجة إلى السُّؤال عن شيءٍ، ولا سيما قبلَ وقوعه والحاجة إليه، وإنَّما الحاجةُ المهمةُ إلى فهم ما أخبرَ الله به ورسولُه، ثمَّ اتباعُ ذلك والعملُ به، وقد كان النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُسأَل عنِ المسائل، فيُحيل على القرآن، كما سأله عمرُ عنِ الكَلالَةِ، فقالَ

: «يَكفيك آيةُ الصيف» (٤).


(١) أخرجه: البخاري ٤/ ٢٤٢ (٣٦٠٦) و ٩/ ٦٥ (٧٠٨٤)، ومسلم ٦/ ٢٠ (١٨٢٧)
(٥١)، وابن ماجه (٣٩٧٩).
(٢) سقطت من (ص).
(٣) النساء: ١٧٦.
(٤) أخرجه: الطيالسي (١١)، وأحمد ١/ ١٥ و ٢٦ و ٢٧ و ٤٨، ومسلم ٢/ ٨١ - ٨٢
(٥٦٧) (٧٨) و ٥/ ٦١ (١٦١٧)، وابن ماجه (٢٧٢٦)، وأبو يعلى (١٨٤)، وابن خزيمة (١٦٦٦)، وابن حبان (٢٠٩١)، والبيهقي ٣/ ٧٨ و ٦/ ٢٢٤ من حديث عمر بن الخطاب، به.
والمصقود بآية الصيف: الآية التي نزلت في الصيف، وهي قوله تعالى: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ} النساء: ١٧٦. شرح النووي لصحيح مسلم ٣/ ٤٦.

<<  <   >  >>