للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

ومن فقهاء أهل الرأي من توسَّع في توليدِ المسائل قبلَ وقوعها، ما يقع في العادة منها وما لا يقع، واشتغلُوا بتكلُّفِ الجواب عنْ ذلك (١)، وكثرة الخصومات فيه، والجدال عليه حتَّى يتولدَ مِنْ ذلك افتراقُ القلوب، ويستقرَّ فيها بسببه الأهواءُ والشحناءُ والعداوةُ والبغضاءُ، ويقترن ذلك كثيراً بنية المغالبة، وطلب العلوِّ والمباهاة، وصرف وجوه الناس وهذا ممَّا ذمه العلماءُ الربانيون، ودلَّتِ السُّنَّةُ على قبحه

وتحريمه.

وأما فقهاء أهل الحديث العامِلُون به، فإنَّ معظمَ همِّهمُ البحثُ عن معاني كتاب الله - عز وجل -، وما يُفسِّرُهُ من السنن الصحيحة، وكلام الصحابة والتابعين لهم بإحسّان، وعن سُنَّةِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومعرفة صحيحها وسقيمِها، ثم التفقه فيها وتفهمها، والوقوف على معانيها، ثم معرفة كلام الصحابة والتابعين لهم بإحسّان في أنواع العلوم من التفسير والحديث، ومسائل الحلال والحرام، وأصول السُّنة والزهد والرقائق وغيرِ ذلك، وهذا هو طريقة الإمام أحمد ومَنْ وافقه من علماء الحديث الرَّبّانيين، وفي معرفة هذا شغلٌ شاغلٌ عن التَّشاغُل بما أحدثَ من الرأي ممَّا لا يُنتفع به، ولا يقع، وإنَّما يُورثُ التجادلُ فيه الخصوماتِ والجدالَ وكثرة القيل والقال. وكان الإمام أحمد كثيراً إذا سُئِلَ عن شيء من المسائل المولدات التي لا تقع يقول: دعونا منْ هذه المسائل المحدثة (٢).

وما أحسن ما قاله يونسُ بنُ سليمان السَّقَطِيُّ: نظرتُ في الأمرِ، فإذا هو الحديث والرأي، فوجدتُ في الحديث ذكرَ الرب - عز وجل - وربوبيتَه وإجلاله وعظمته، وذكرَ العرش وصفة الجنة والنار، وذكرَ النبيين والمرسلين، والحلال والحرام، والحثَّ على صلة الأرحام (٣)، وجماع الخير فيه، ونظرت في الرأي، فإذا فيه المكرُ، والغدرُ، والحيلُ، وقطيعة الأرحام، وجماع الشَّرِّ فيه.


(١) انظر: المنهج الفقهي العام لعلماء الحنابلة: ١٨، ومناهج الاجتهاد في الإسلام في الأحكام الفقهيه والعقائدية: ١٢١.
(٢) انظر: المنهج الفقهي العام لعلماء الحنابلة: ١٨ - ١٩.
(٣) في (ص): «على فعل الخير».

<<  <   >  >>