للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وكان محمَّدُ بنُ واسعٍ يبيع حماراً له، فقال له رجل: أترضاه لي؟ قال: لو رضيته لم أبعه (١)، وهذه إشارةٌ منه إلى أنَّه لا يرضى لأخيه إلاَّ ما يرضى لنفسه، وهذا كلُّه من جملة النصيحة لعامة المسلمين التي هي مِنْ جملة الدين كما سبق تفسيرُ ذلك في موضعه (٢).

وقد ذكرنا فيما تقدَّم حديثَ النعمان بنِ بشير، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قال: «مَثَلُ المؤمنينَ في توادِّهم وتعاطفهم وتراحمهم مثلُ الجسدِ، إذا اشتكى منه عُضوٌ، تداعى له سائرُ الجسدِ بالحُمى والسَّهر» خرَّجاه في " الصحيحين " (٣)، وهذا يدلُّ على أنَّ المؤمنَ يسوؤه ما يسوءُ أخاه المؤمن، ويُحزِنُه ما يُحزنه.

وحديثُ أنس الذي نتكلَّمُ الآن فيه يدلُّ على أنَّ المؤمن يَسُرُّهُ ما يَسرُّ أخاه المؤمن، ويُريد لأخيه المؤمن ما يُريده لنفسه من الخير، وهذا كُلُّه إنَّما يأتي من كمالِ سلامةِ الصدر من الغلِّ والغشِّ والحسدِ، فإنَّ الحسدَ يقتضي أنْ يكره الحاسدُ أنْ يَفوقَه أحدٌ في خير، أو يُساوَيه فيه؛ لأنَّه يُحبُّ أنْ يمتازَ على الناسِ بفضائله، وينفرِدَ بها عنهم، والإيمانُ يقتضي خلافَ ذلك، وهو أنْ يَشْرَكَه المؤمنون كُلُّهم فيما أعطاه الله من الخير من غير أنْ ينقص عليه منه شيء (٤).

وقد مدح الله تعالى في كتابه من لا يُريد العلوَّ في الأرض ولا الفساد، فقال:

{تلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأَرْضِ وَلا فَسَاداً} (٥). وروى ابنُ جريرٍ بإسنادٍ فيه نظرٌ (٦) عن عليٍّ - رضي الله عنه -، قال:

إنَّ الرَّجُلَ ليُعْجِبهُ مِن شِراكِ نعله أنْ يكونَ أجود من شراكِ صاحبه فَيدْخُلُ في قوله: {تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} (٧) (٨).


(١) ذكره: أبو نعيم في " الحلية " ٢/ ٣٤٩.
(٢) انظر: الحديث السابع.
(٣) سبق تخريجه.
(٤) انظر: شرح النووي لصحيح مسلم ٢/ ٩٨، وفتح الباري ١/ ٨٠.
(٥) القصص: ٨٣.
(٦) وذلك أنَّ في إسناده أشعث بن سعيد البصري السمان، قال عنه أبو حاتم: «ضعيف الحديث، منكر الحديث، سيء الحفظ، يروي المناكير عن الثقات». الجرح والتعديل ٢/ ١٩٩ (٩٨٠).
(٧) القصص: ٨٣.
(٨) أخرجه: الطبري في " تفسيره " (٢١٠٦٠) وطبعة التركي ١٨/ ٣٤٤، وابن أبي حاتم في
" تفسيره " ٩/ ٣٠٢٣ (١٧١٨١)، وأبو حيان في " تفسيره " ٧/ ١٣١، وأورده ابن كثير في " تفسيره ": ١٤٢٧ (طبعة دار ابن حزم)، والسيوطي في " الدر المنثور " ٥/ ٢٦٥.

<<  <   >  >>