للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

أوداجِهِ، فإذا أحس أحدُكُم مِنْ ذلك شيئاً، فليَجْلِسْ، ولا يَعْدُوَنَّه الغَضَبُ» (١).

والمرادُ: أنَّه يحبسه في نفسه، ولا يُعديه إلى غيره بالأذى بالفعلِ، ولهذا المعنى قال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في الفتن: «إنَّ المضطجِعَ فيها خَيْرٌ من القَاعِدِ، والقَاعِدَ فيها خيرٌ من القَائِم، والقائمَ خَيرٌ مِنَ المَاشِي، والمَاشِي خَيرٌ مِنَ السَّاعي» (٢)، وإنْ كان هذا على وجه ضرب المثالِ في الإسراع في الفتن، إلا أنَّ المعنى: أنَّ من كان أقرب إلى الإسراع فيها، فهو شرٌّ ممن كان أبعد عن ذلك.

وخرَّج الإمامُ أحمد من حديث ابنِ عباس، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا غَضِبَ

أحَدُكُمْ، فليَسْكُتْ»، قالها ثلاثاً (٣).

وهذا أيضاً دواء عظيم للغضب؛ لأنَّ الغضبان يصدر منه في حال غضبه من القول ما يندم عليهِ في حال زوال غضبه كثيراً من السِّباب وغيره مما يعظم ضَرَرُهُ، فإذا سكت زال هذا الشرّ كله عنه،

وما أحسنَ قولَ مورق العجلي - رحمه الله -: ما امتلأتُ غيضاً قَطُّ ولا تكلَّمتُ في غضبٍ قطُّ بما أندمُ عليهِ إذا رضيتُ (٤). وغضب يوماً عمرُ بن عبد العزيز فقالَ لهُ ابنُه: عبدُ الملكِ - رحمهما الله -: أنتَ يا أميرَ المؤمنين مع ما أعطاك الله وفضَّلك به تغضبُ هذا الغَضبَ؟ فقال له: أو ما تغضبُ يا عبدَ الملك؟ فقال عبد الملك: وما يُغني عني سعةُ جوفي إذا لم أُرَدِّدْ فيه

الغضبَ حتى لا يظهر (٥)؟ فهؤلاء قوم ملكوا أنفسهم عند الغضب - رضي الله عنهم -.


(١) حديث أنس لم أعثر عليه فيما بين يدي من الكتب الحديثية.
أما رواية الحسن المرسلة فقد أخرجها: معمر في " جامعه " (٢٠٢٨٩)، والبيهقي في
" شعب الإيمان " (٨٢٩٠) عن الحسن، مرسلاً.
(٢) أخرجه: البخاري ٤/ ٢٤١ (٣٦٠١) و ٩/ ٦٤ (٧٠٨١) و (٧٠٨٢)، ومسلم ٨/ ١٦٨ - ١٦٩ (٢٨٨٦) (١٠) و (١١) و (١٢)، وأبو داود (٤٢٥٦)، والبيهقي ٨/ ١٩٠ من حديث أبي هريرة، به.
(٣) في " مسنده " ١/ ٢٣٩ و ٢٨٣ و ٣٦٥.

وأخرجه: الطيالسي (٢٦٠٨)، والبخاري في " الأدب المفرد " (٢٤٥)، والبزار كما في
" كشف الأستار " (١٥٢) و (١٥٣)، والطبراني في " الكبير " (١٠٩٥١)، والقضاعي في " مسند الشهاب " (٧٦٤)، والبيهقي في " شعب الإيمان " (٨٢٨٧) و (٨٢٨٨)، وفي إسناده ليث بن أبي سليم ضعيف.
(٤) أخرجه: أبو نعيم في " الحلية " ٢/ ٢٣٥.
(٥) أخرجه: أبو نعيم في " الحلية " ٥/ ٣٥٨.

<<  <   >  >>