للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

قال عمرُ بنُ عبد العزيز: قد أفلحَ مَنْ عُصِمَ من الهوى، والغضب، والطمع (١).

وقال الحسن: أربعٌ من كُنَّ فيه عصمه الله من الشيطان، وحرَّمه على النار: مَنْ ملك نفسَه عندَ الرغبة، والرهبة، والشهوةِ، والغضبِ (٢).

فهذه الأربع التي ذكرها الحسن هي مبدأ الشرِّ كُلِّه، فإنَّ الرغبةَ في الشيء هي ميلُ النفس إليه لاعتقاد نفعه، فمن حصل له رغبةٌ في شيءٍ، حملته تلك الرغبة على طلب ذلك الشيء من كل وجه يَظُنُّه موصلاً إليه (٣)، وقد يكون كثير منها محرماً، وقد يكون ذلك الشيءُ المرغوبُ فيه مُحرَّماً.

والرهبة: هي الخوفُ من الشيء (٤)، وإذا خاف الإنسان من شيء تسبب في دفعه عنه بكلِّ طريق يظنه دافعاً له، وقد يكون كثير منها محرَّماً.

والشهوة: هي ميلُ النفس إلى ما يُلائمها، وتلتذُّ به (٥)، وقد تميل كثيراً إلى ما هو محرَّم كالزنا والسرقة وشرب الخمر، بل وإلى الكفر والسحر والنفاق والبدع.

والغضب: هو غليانُ دم القلب طلباً لدفع المؤذي عندَ خشية وقوعه، أو طلباً للانتقام ممن حصل له منه الأذى بعدَ وقوعه (٦)، وينشأ من ذلك كثيرٌ من الأفعال المحرمة كالقتل والضربِ وأنواعِ الظلم والعُدوان، وكثيرٍ من الأقوال المحرَّمة كالقذفِ والسبِّ والفحش، وربما ارتقى إلى درجة الكفر، كما جرى لجبلة بن الأيهم (٧)،


(١) أخرجه: أبو نعيم في " الحلية " ٥/ ٢٩٠.
(٢) أخرجه: أبو نعيم في " الحيلة " ٢/ ١٤٤.
(٣) انظر: لسان العرب ٥/ ٢٥٤.
(٤) انظر: العين: ٣٧٢، وأساس البلاغة ١/ ٣٩٩، ولسان العرب ٥/ ٢٣٧.
(٥) انظر: المفردات في غريب القرآن: ٢٧٩، ولسان العرب ٧/ ٢٣١.
(٦) انظر: المفردات في غريب القرآن: ٣٧٥، والتعريفات: ١٦٢.
(٧) هو ابن الحارث بن أبي شعر، واسمه المنذر بن الحارث، روي في أحاديث دخل بعضها في بعض، قالوا: وكتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى جبلة بن الأيهم ملك غسان يدعوه إلى الإسلام، فأسلم وكتب بإسلامه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأهدى له هدية، ثم لم يزل مسلماً حتى كان زمن =

= … عمر بن الخطاب، فبينا هو في سوق دمشق إذ وطيء رجلاً من مزينة، فوثب المزني فلطمه، فأخذ فانطلق به إلى أبي عبيدة بن الجراح، فقالوا: هذا لطم جبلة. قال: فليلطمه. قالوا: أو ما يقتل؟ قال: لا، فقالوا: أفما تقطع يده؟ قال: لا، إنَّما أمر الله بالقود، قال جبلة: أترون أني جاعل وجهي نداً لوجه جدي جاء من عمق؟ بئس الدين هذا! ثم ارتد نصرانياً، وترحل بقومه حتى دخل أرض الروم. انظر: تاريخ دمشق ١١/ ١٩.

<<  <   >  >>