للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

معاذاً إلى اليمن، فقال: «يا معاذ اتَّق الله، وخالِقِ النَّاس بخُلُقٍ حَسَنٍ، وإذا عملتَ سيئةً، فأَتْبِعْهَا حسنةً» فقال: قلتُ: يا رسولَ الله لا إله إلا الله مِن الحسنات؟ قالَ: «هي من أكبرِ الحسناتِ». وقد رويت وصية النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ من حديثِ ابنِ عمر وغيره بسياق مطول من وجوه فيها ضعف.

ويدخل في هذا المعنى حديث أبي هريرة، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّه سُئِلَ: ما أَكْثَرُ (١) ما يُدخِلُ الناسَ الجنة؟ قالَ: «تقوى الله وحسنُ الخُلُقِ» خرَّجه الإمام أحمد وابن

ماجه والترمذي وصححه، وابن حبان في " صحيحه " (٢).

فهذه الوصية وصيةٌ عظيمةٌ جامعة لحقوق الله وحقوق عباده، فإنَّ حقَّ الله على عباده أنْ يتقوه حقَّ تقاته، والتقوى وصيةُ الله للأوّلين والآخرين. قال تعالى: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللهَ} (٣).

وأصلُ التّقوى (٤): أنْ يجعل العبدُ بينَه وبينَ ما يخافُه ويحذره وقايةً تقيه منه، فتقوى العبد لربه أنْ يجعل بينه وبينَ ما يخشاه من ربه من غضبه وسخطه وعقابه وقايةً تقيه من ذلك وهو فعلُ طاعته واجتنابُ معاصيه.

وتارة تُضافُ التقوى إلى اسم اللهِ - عز وجل - (٥)، كقوله تعالى: {وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} (٦)، وقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} (٧)، فإذا أضيفت التقوى إليه - سبحانه وتعالى -، فالمعنى: اتقوا سخطه وغضبه، وهو أعظم ما يتقى، وعن ذلك ينشأ عقابه الدنيوي والأخروي، قال تعالى: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ} (٨)، وقال تعالى: {هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ} (٩)، فهو سبحانه أهل أنْ يُخشى ويُهاب ويُجلَّ ويُعَظَّمَ في صدورِ عباده حتَّى يعبدوه ويُطيعوه، لما يستحقُّه من


(١) «ما أكثر» سقطت من (ص).
(٢) أخرجه: أحمد ٢/ ٢٩١ و ٣٩٢ و ٤٤٢، وابن ماجه (٤٢٤٦)، والترمذي (٢٠٠٤).
(٣) النساء: ١٣١.
(٤) من قوله: «وصية الله للأولين … » إلى هنا لم يرد في (ص).
(٥) من قوله: «من ذلك وهو فعل … » إلى هنا لم يرد في (ص).
(٦) المائدة: ٩٦.
(٧) الحشر: ١٨.
(٨) آل عمران: ٢٨.
(٩) المدثر: ٥٦.

<<  <   >  >>