للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

: «الصلواتُ الخمسُ، والجمعةُ إلى الجمعةِ، ورمضانُ إلى رمضانَ مُكَفِّراتٌ لما بينهن ما اجتُنِبت الكبائرُ» (١)، فإنَّ في حبس النفس على المواظبة على الفرائضِ من مخالفة هواها وكَفِّهَا عما تميلُ إليه ما يُوجبُ ذلك تكفير الصغائر.

وكذلك الشهادةُ في سبيل الله تكفِّرُ الذُّنوب بما يحصُل بها من الألم، وترفعُ الدرجات بما اقترن بها من الأعمال الصالحة بالقلب والبدن، فتبيَّن بهذا أنَّ بعضَ الأعمال يجتمع فيها ما يُوجِبُ رفع الدرجات وتكفير السيئات من جهتين، ولا يكونُ بينهما منافاة، وهذا ثابت في الذُّنوب الصَّغائر بلا ريب، وأمَّا الكبائر، فقد تُكَفَّر بالشَّهادة مع حصولِ الأجر للشَّهيد، لكن الشهيد ذو الخطايا في رابع درجة من درجات الشهداء، كذا رُوي عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - من حديث فضالة بن عُبيد خرَّجه الإمام أحمد

والترمذي (٢).

وأما مغفرة الذنوب ببعض الأعمال مع توفير أجرها وثوابها، فقد دلَّ عليه الأحاديثُ الصحيحة في الذِّكر، وقد قيل: إنَّ تلك السيئات تُكتب حسنات أيضاً، كما في حديث أبي مالك الأشعري الذي سبق ذكرُه (٣)، وذكرنا أيضاً عن بعض السَّلف أنَّه يُمحى بإزاء السيئة الواحدة ضعفٌ واحد من أضعاف ثواب الحسنة، وتبقى له تسع حسنات (٤). والظاهر أنَّ هذا مختصٌّ بالصغائر، وأمَّا في الآخرة، فيُوازَنُ بين الحسنات والسيئات، ويقُصُّ بعضُها من بعضٍ، فمن رجحت حسناتُه على سيئاته، فقد نجا، ودخل الجنَّة، وسواء في هذا الصغائر والكبائر، وهكذا من كانت له حسنات وعليه مظالم، فاستوفى المظلومون حقوقَهم من حسناته، وبقي له حسنةٌ،


(١) سبق تخريجه.
(٢) أخرجه: أحمد ١/ ٢٢ و ٢٣، والترمذي (١٦٤٤)، وقال: «هذا حديث حسن غريب» عن فضالة بن عبيد، قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول، وفيه: « … ورجل مؤمن أسرف على نفسه لقي العدو فصدق الله حتى قتل فذلك من الدرجة الرابعة».
وأخرجه: الطيالسي (٤٥) و (١٣٣)، وعبد بن حميد (٢٧)، والبزار (٢٤٦)، وأبو يعلى (٢٥٢)، والطبراني في " الأوسط " (٣٦٣) عن فضالة بن عبيد، عن عمر بن الخطاب، به.
(٣) سبق تخريجه.
(٤) هو ابن مسعود - رضي الله عنه -. انظر: المصنف لابن أبي شيبة (٣٤٥٣).

<<  <   >  >>