للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} (١)، وقول موسى: {إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} (٢). وفي قول

النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكر وهما في الغار: «ما ظَنُّكَ باثنين الله ثالثهما؟ لا تحزن إنَّ الله

معنا» (٣).

فهذه المعيةُ الخاصةُ تقتضي النَّصر والتَّأييدَ، والحفظ والإعانة بخلاف المعية العامة المذكورة في قوله تعالى: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ

هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} (٤)، وقوله: {وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ} (٥)، فإنَّ هذه

المعية تقتضي علمَه واطِّلاعه ومراقبته لأعمالهم، فهي مقتضيةٌ لتخويف العباد منه،

والمعية الأولى تقتضي حفظ العبد وحياطَتَه ونصرَه، فمن حفظ الله، وراعى حقوقه، وجده أمامَه وتُجاهه على كُلِّ حالٍ، فاستأنس به، واستغنى به عن خلقه،

كما في حديث: «أفضلُ الإيمان أنْ يعلمَ العبدُ أنَّ الله معه حيث كان» (٦) وقد

سبق.

ورُويَ عن بُنان الحمَّال: أنَّه دخل البريَّةَ وحدَه على طريق تبوك، فاستوحش، فهتف به هاتف: لِمَ تستوحش؟ أليس حبيبُك معك؟ (٧)

وقيل لبعضهم: ألا تستوحشُ وحدَك؟ فقال: كيف أستوحش، وهو يقول:

«أنا جليسُ مَنْ ذكرني» (٨)،

وقيل لآخر: نراكَ وحدكَ؟ فقال: من يكن الله معه، كيف يكونُ وحده؟، وقيل لآخر: أما مَعَكَ مؤنسٌ؟ قال: بلى، قيل له: أين هو؟ قال: أمامي (٩)، وخلفي، وعن يميني، وعن شمالي، وفوقي. وكان الشبلي

ينشد:


(١) طه: ٤٦.
(٢) الشعراء: ٦٢.
(٣) أخرجه: أحمد ١/ ٤، وعبد بن حميد (٢)، والبخاري ٥/ ٤ (٣٦٥٣) و ٥/ ٨٣ (٣٩٢٢) و ٦/ ٨٣ (٤٦٦٣)، ومسلم ٧/ ١٠٨ (٢٣٨١)، والترمذي (٣٠٩٦)، والطبري في
" تفسيره " (١٦٧٢٩)، والطحاوي في " شرح مشكل الآثار " (٤٠٨)، وابن حبان
(٦٢٧٨) و (٦٨٦٩)، والبيهقي في " دلائل النبوة " ٢/ ٤٨٠ من حديث أنس، عن أبي بكر الصديق، به.
(٤) المجادلة: ٧.
(٥) النساء: ١٠٨.
(٦) أخرجه: البيهقي في " شعب الإيمان " (٧٤١) وفي " الأسماء والصفات "، له: ٤٣٠.
(٧) سرد هذه الرواية أبو علي الروذباري. انظر: حلية الأولياء ١٠/ ٣٢٤، وصفة الصفوة ٢/ ٢٧١.
(٨) لم أعثر عليه وما وجدته عن نبي الله موسى عليه السلام بلفظ: «قال موسى: يا رب أقريب أنت فأناجيك أم بعيد فأناديك، قال: يا موسى أنا جليس من ذكرني».

أخرجه: ابن أبي شيبة (٣٤٢٨٧).
(٩) زاد بعدها في (ج): «ومعي».

<<  <   >  >>