للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

«لا حول ولا قُوَّةَ إلا بالله»، فإنَّ المعنى: لا تَحوُّلَ للعبد مِنْ حال إلى حال، ولا قُوَّة له على ذلك إلا بالله، وهذه كلمةٌ عظيمةٌ، وهي كنز من كنوز الجنة، فالعبدُ محتاجٌ إلى الاستعانة بالله في فعل المأمورات، وترك المحظورات، والصبر على المقدورات كلِّها في الدنيا وعندَ الموت وبعده من أهوال البرزخ ويوم القيامة، ولا يقدر على الإعانة على ذلك إلا الله - عز وجل -، فمن حقق الاستعانة عليه في ذلك كله أعانه. وفي الحديث الصحيح عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال:

«احرصْ على ما ينفعُكَ واستعن بالله ولا تعجزْ» (١).

ومن ترك الاستعانة بالله، واستعان بغيرِه، وكَلَهُ الله إلى من استعان به فصار مخذولاً. كتب الحسنُ إلى عُمَرَ بنِ العزيز: لا تستعِنْ بغيرِ الله، فيكِلَكَ الله إليه. ومن كلام بعضِ السَّلف: يا ربِّ عَجبت لمن يعرفُك كيف يرجو غيرك، عجبتُ لمن يعرفك كيف يستعينُ بغيرك.

قوله - صلى الله عليه وسلم -: «جفَّ القلمُ بما هو كائنٌ» وفي روايةٍ أخرى: «رُفِعت الأقلام، وجفَّت الصحف» هو كنايةٌ عن تقدُّم كتابة المقادير كلِّها، والفراغ منها من أمدٍ بعيد، فإنَّ الكتابَ إذا فُرِغَ من كتابته، ورفعت الأقلامُ عنه، وطال عهده، فقد رُفعت عنه الأقلام، وجفتِ الأقلام التي كتب بها مِنْ مدادها، وجفت الصَّحيفة التي كتب فيها بالمداد المكتوب به فيها،

وهذا من أحسن الكنايات وأبلغِها.

وقد دلَّ الكتابُ والسننُ الصحيحة الكثيرة على مثل هذا المعنى، قال الله تعالى:

{مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ

ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ} (٢).

وفي " صحيح مسلم " (٣)


(١) أخرجه: الحميدي (١١١٤)، وأحمد ٢/ ٣٦٦ و ٣٧٠، ومسلم ٨/ ٥٦ (٢٦٦٨)، ويعقوب بن سفيان في " المعرفة والتاريخ " ٣/ ٦، وابن أبي عاصم في " السنة " (٣٥٦)، والنسائي في " عمل اليوم والليلة " (٦٢١) و (٦٢٢) و (٦٢٤)، وأبو يعلى (٦٣٤٦)، والطحاوي في " شرح مشكل الآثار " (٢٥٩) و (٢٦٢)، وابن حبان (٥٧٢١)
و (٥٧٢٢)، وابن السني في " عمل اليوم والليلة " (٣٤٩)، وأبو نعيم في " الحلية " ١٠/ ٢٩٦، والبيهقي ١٠/ ٨٩، والخطيب في " تاريخه " ١٢/ ٢٢٣ من حديث أبي هريرة.
(٢) الحديد: ٢٢.
(٣) الصحيح ٨/ ٥٠ (٢٦٥٣).
وأخرجه: أحمد ٢/ ١٦٩، وعبد بن حميد (٣٤٣)، والترمذي (٢١٥٦)، وابن حبان
(٦١٣٨)، وأبو نعيم في " تاريخ أصبهان " ١/ ٣٢٧، والبيهقي في " الأسماء والصفات " ٣٧٤ - ٣٧٥.

<<  <   >  >>