للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

فأخبره، فأكبَّ عوفٌ يقول: لا حولَ ولا قوَّةَ إلاَّ بالله، وكانوا قد شدُّوه بالقِدِّ فسقط القِدُّ عنه، فخرج فإذا هو بناقةٍ لهم فركبها، فأقبل فإذا هو بسَرحِ القوم الذين كانوا شدُّوه، فصاح بهم، فاتبع آخرُها أوَّلها، فلم يفاجأ أبويه إلاّ وهو ينادي بالباب، فقال أبوه (١): عوفٌ وربِّ الكعبة، فقالت أمه: واسوأتاه (٢)، وعوف كئيب يألم ما فيه مِنَ القدِّ، فاستبقَ الأبُ والخادمُ إليه، فإذا عوفٌ قد ملأ الفناء إبلاً، فقصَّ على أبيه أمرَه وأمرَ الإبل، فأتى أبوهُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، فأخبره بخبرِ عوفٍ وخبرِ الإبل، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «اصنع بها ما أحببتَ، وما كنت صانعاً بإبلك» (٣)، ونزل: {وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} (٤) الآية.

قال الفضيل: والله لو يئستَ مِنَ الخلق حتَّى لا تريد منهم شيئاً، لأعطاك مولاك كُلَّ ما تُريد. وذكر إبراهيمُ بن أدهم عن بعضهم قال: ما سأل السائلون مسألةً هي ألحلفُ مِنْ أنْ يقولَ العبدُ: ما شاء الله، قال: يعني بذلك التَّفويض إلى الله - عز وجل -. وقال سعيدُ بن سالم القداح: بلغني أنَّ موسى - عليه السلام - كانت له إلى الله حاجةٌ، فطلبها، فأبطأت عليه، فقال: ما شاء الله، فإذا حاجتُه بَيْنَ يديه، فعجب، فأوحى الله إليه: أما علمتَ أنَّ قولَك: ما شاء الله أنجحُ ما طُلِبَتْ به الحوائج.

وأيضاً فإنَّ المؤمن إذا استبطأ الفرج، وأيس منه بعدَ كثرة دعائه وتضرُّعه، ولم يظهر عليه أثرُ الإجابة يرجع إلى نفسه باللائمة، وقال لها: إنَّما أُتيتُ من قِبَلِكَ، ولو كان فيك خيرٌ لأُجِبْتُ، وهذا اللومُ أحبُّ إلى الله من كثيرٍ من الطَّاعاتِ، فإنَّه يُوجبُ انكسار العبد لمولاه واعترافه له بأنَّه أهلٌ لما نزل به من البلاء، وأنَّه ليس بأهلٍ لإجابة الدعاء، فلذلك تُسرِعُ إليه حينئذٍ إجابةُ الدعاء وتفريجُ الكرب، فإنَّه تعالى عندَ المنكسرةِ قلوبهم من أجله.

قال وهب: تعبَّدَ رجل زماناً، ثم بدت له إلى الله حاجةٌ، فصام سبعين سبتاً،


(١) سقطت من (ص).
(٢) من (ص): «واشوقاه».
(٣) ذكره المنذري في " الترغيب والترهيب " (٢٤٤٦).
(٤) الطلاق: ٢ - ٣.

<<  <   >  >>