للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

إنَّكم لن تعملوا - أو لن تُطيقوا - كلَّ ما أمرتُكم، ولكن سدِّدوا وأبشروا» (١) والمعني: اقصِدُوا التَّسديدَ والإصابةَ والاستقامةَ، فإنَّهم لو سدَّدُوا في العمل كلِّه، لكانوا قد فعلوا ما أُمِرُوا به كُلِّه.

فأصلُ الاستقامةِ استقامةُ القلب على التوحيد، كما فسر أبو بكر الصِّديق وغيرُه

قولَه: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} (٢) بأنَّهم لم يلتفتوا إلى

غيره، فمتى استقام القلبُ على معرفةِ الله، وعلى خشيته، وإجلاله، ومهابته، ومحبته، وإرادته، ورجائه، ودعائه، والتوكُّلِ عليه، والإعراض عما سواه، استقامت الجوارحُ كلُّها على طاعته، فإنَّ القلبَ هو ملكُ الأعضاء، وهي جنودهُ، فإذا استقامَ الملك، استقامت جنودُه ورعاياه، وكذلك فسَّر قوله تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً} (٣) بإخلاص القصد لله وإرادته وحدَه لا شريكَ له.

وأعظم ما يُراعى استقامتُه بعدَ القلبِ مِنَ الجوارح اللسانُ، فإنَّه ترجمانُ القلب والمعبِّرُ عنه، ولهذا لما أمر النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بالاستقامة، وصَّاه بعدَ ذلك بحفظ لسانه، وفي

" مسند الإمام أحمد " (٤) عن أنس، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قال: «لا يستقيمُ إيمانُ عبدٍ حتَّى يستقيم قلبُه، ولا يستقيمُ قلبُه حتى يستقيمَ لسانُه».

وفي " الترمذي " (٥) عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً وموقوفاً: «إذا أصبح ابن آدم، فإنَّ الأعضاءَ كلها تكفر اللِّسان، فتقول: اتق الله فينا، فإنَّما نحنُ بك، فإنِ استقمتَ استقمنا، وإنِ اعوجَجْتَ اعوججنا».


(١) أخرجه: أحمد ٤/ ٢١٢، وأبو داود (١٠٩٦)، وأبو يعلى (٦٨٢٦)، وابن قانع في
" معجم الصحابة " ١/ ٢٠٧، والطبراني في " الكبير " (٣١٦٥)، والبيهقي ٣/ ٢٠٦ وفي
" دلائل النبوة "، له ٥/ ٣٥٤، وابن عساكر في " تاريخ دمشق " ٢٥/ ١٤٠، والمزي في
" تهذيب الكمال " ٢/ ٢٤٠ (١٤٠٩)، وهو حديث حسن.
(٢) الأحقاف: ١٣.
(٣) الروم: ٣٠.
(٤) المسند ٣/ ١٩٨، وإسناده ضعيف لضعف علي بن مسعدة.
(٥) الجامع الكبير (٢٤٠٧) و (٢٤٠٧ م ١) وقال عن الحديث الموقوف: «وهذا أصح من حديث محمد بن موسى» أي: الحديث المرفوع.

<<  <   >  >>