للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

واحدٍ، فسألوني، فأعطيتُ كُلَّ إنسانٍ مسألته، ما نقصَ ذلك ممَّا عندي إلاَّ كما ينقصُ المِخْيَطُ إذا أُدخِلَ البحرَ» المرادُ بهذا ذكرُ كمال (١) قدرته سبحانه، وكمال ملكه، وإنَّ مُلكَهُ وخزائنَه لا تَنفَدُ، ولا تَنقُصُ بالعطاء، ولو أعطى الأوَّلين والآخرين من الجنِّ والإنس جميعَ ما سألوه في مقامٍ واحدٍ، وفي ذلك حثٌّ للخلق على سؤالِه وإنزالِ حوائجهم به، وفي " الصحيحين " (٢) عن أبي هريرة، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قال:

«يَدُ الله ملأى، لا تَغِيضُها نفقةٌ، سحَّاءُ الليلَ والنهارَ (٣)، أفرأيتم ما أنفقَ منذ خلق السماوات والأرض؟ فإنَّه لم يَغِضْ ما في يَمينه».

وفي " صحيح مسلم " (٤) عن أبي هريرة، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قال: «إذا دعا أحدُكم، فلا يَقُل: اللهمَّ اغفر لي إنْ شئتَ، ولكن ليعزم المسألةَ، وليُعَظِّم الرَّغبةَ، فإنَّ الله لا يتعاظمُهُ شيءٌ».

وقال أبو سعيدٍ الخدريُّ: إذا دعوتُم الله، فارفعوا في المسألة، فإنَّ ما عنده لا يَنْفَدُه شيء، وإذا دعوتم فاعزموا، فإنَّ الله لا مستكره له.

وفي بعض الآثار الإسرائيلية: يقول الله - عز وجل -: أيُؤَمَّلُ غيري للشدائد والشدائد بيدي وأنا الحيُّ القيُّوم؟ ويُرجى غيري، ويُطرق بابُه بالبكرات، وبيدي مفاتيحُ الخزائنِ، وبابي مفتوحٌ لمن دعاني؟ من ذا الذي أمَّلني لنائبة فقطعت به؟ أو مَنْ ذا الذي رجاني لعظيمٍ، فقطعت رجاءه؟ أو مَنْ ذا الذي طرق بابي، فلم أفتحه له؟ أنا غايةُ الآمالِ، فكيف تنقطعُ الآمالُ دوني؟ أبخيلٌ أنا فيبخِّلُني عبدي؟ أليس الدُّنيا والآخرة والكرم والفضلُ كُلُّه لي؟ فما يمنع المؤمَّلين أنْ يؤمِّلوني؟ لو جمعتُ أهل السماوات والأرض، ثم أعطيتُ كلَّ واحدٍ منهم ما أعطيتُ الجميعَ، وبلَّغْت كلَّ واحدٍ منهم أملَه، لم يَنقُصْ ذلك مِنْ مُلكي عضو ذرَّةٍ، كيف يَنقُصُ ملكٌ أنا قَيِّمُه؟ فيا بؤساً للقانطين من رحمتي، ويا بؤساً لمن عصاني وتوثَّب على محارمي (٥).


(١) «كمال» لم ترد في (ص).
(٢) صحيح البخاري ٦/ ٩٢ (٤٦٨٤) و ٩/ ١٥٠ (٧٤١١) و ٩/ ١٥٢ (٧٤١٩)، وصحيح مسلم ٣/ ٧٧ (٩٩٣) (٣٦) و (٣٧).
(٣) قال الحافظ ابن حجر في الفتح عقيب (٤٦٨٤): «الليل والنهار بالنصب على الظرفية».
(٤) الصحيح ٨/ ٦٤ (٢٦٧٩) (٨).
(٥) أخرجه: أبو نعيم في " الحلية " ١٠/ ١٨٧، والبيهقي في " شعب الإيمان " (١٠٨٧) من قول يزيد بن هارون نقلاً عن بعض كتب من سبق.

<<  <   >  >>