للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

برزقي أبداً ما دامت خزائني مملوءةً، وخزائني مملوءةٌ لا تفنَى أبداً، يا موسى لا تأنس بغيري ما وجدتَني أنيساً لك، ومتى طلبتني وجدتني، يا موسى، لا تأمن مكري ما لم تَجُزِ الصِّراطَ إلى الجنة. وقال بعضهم:

لا تَخضَعَنَّ لِمخلُوقٍ على طَمَعٍ … فإنَّ ذَاكَ مُضِرٌّ مِنْكَ بالدِّينِ

واستَرْزِقِ الله مِمَّا في خَزَائِنِهِ … فإنَّما هيَ بَيْنَ الكَافِ والنُّونِ

وقوله: «يا عبادي، إنَّما هي أعمالُكُم أُحصيها لكم، ثم أُوَفِّيكُم إيَّاها» يعني: أنَّه سبحانه يُحصي أعمالَ عبادِه، ثمَّ يُوفيهم إياها بالجزاء عليها، وهذا كقوله: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} (١)، وقوله: {وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً} (٢)، وقوله: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ

نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً} (٣)، وقوله: {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَميعاً فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللهُ وَنَسُوهُ} (٤).

وقوله: «ثم أُوَفِّيكُم إيَّاها» الظاهرُ أنَّ المرادَ توفيتُها يوم القيامة كما قال تعالى: {وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} (٥)، ويحتمل أنَّ المرادَ: أنَّه يوفي عبادَه جزاءَ أعمالِهم في الدُّنيا والآخرة كما في قوله: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً … يُجْزَ بِهِ} (٦). وقد رُوي عنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّه فسّر ذلك بأنَّ المؤمنين يُجازَوْن بسيِّئاتهم في الدُّنيا، وتدخر لهم حسناتُهم في الآخرة، فيوفَّوْن أجورها (٧). وأما الكافر فإنَّه يعجل له في الدنيا ثواب حسناته، وتُدَّخر له سيئاته، فيعاقب بها في الآخرة. وتوفية الأعمال هي توفية جزائها من خيرٍ أو شرٍ، فالشرُّ يُجازى به مثلَه من غير زيادةٍ، إلاَّ أنْ يعفوَ الله عنه، والخيرُ تُضاعف الحسنة منه بعشر أمثالها إلى سبعِ مئةِ ضعفٍ إلى أضعافٍ كثيرةٍ لا يعلم قدرها إلا الله (٨)، كما قال - عز وجل -: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} (٩).

وقوله: «فمن وجد خيراً، فليحمَدِ الله، ومن وجدَ غير ذلك، فلا يلومنَّ إلا


(١) الزلزلة: ٧ - ٨.
(٢) الكهف: ٤٩.
(٣) آل عمران: ٣٠.
(٤) المجادلة: ٦.
(٥) آل عمران: ١٨٥.
(٦) النساء: ١٢٣.
(٧) أخرجه: الطبري في " تفسيره " (٨٣٠١)، بمعناه.
(٨) أخرجه بمعناه: البخاري ١/ ١٧ (٤٢) من طريق همام، عن أبي هريرة، قال: قال
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «إذا أحسن أحدكم إسلامه فكل حسنة يعملها تكتب له بعشر أمثالها إلى سبعمئة ضعف وكل سيئة يعملها تكتب له بمثلها». …
(٩) الزمر: ١٠.

<<  <   >  >>